Close ad

بعد إطلاق حملة "التعليم".. "أم: ابني انتحر بسبب التنمر".. وأطباء نفسيون: المتنمر مشروع مجرم

13-9-2018 | 18:37
بعد إطلاق حملة التعليم أم ابني انتحر بسبب التنمر وأطباء نفسيون المتنمر مشروع مجرم التنمر
إيمان فكري

"مش مسامحة أي حد كان السبب في انتحار ابني"، جملة مؤلمة دفعت الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي يتعاطفون مع "سعاد محمد" والدة الطفل إياد البالغ من العمر 12 عامًا، الذي أصيب بتشويهات في وجه وقدميه نتيجة حريق في المنزل أدت إلى تغير ملامحه وإعاقة في قدمه، وبعد تعرضه للكثير من التنمر والسخرية من جانب زملائه بالمدرسة أقدم على الانتحار هربا من التنمر.

موضوعات مقترحة

تعريف التنمر

يعرف التنمر المدرسي بأنه أفعال سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، تتم بصورة متكررة وطوال الوقت، ويمكن أن تكون هذه الأفعال السلبية بالكلمات مثل "التهديد، التوبيخ، الإغاظة، والشتائم"، كما يمكن أن تكون بالاحتكاك الجسدي كالضرب والدفع والركل، أو حتى بدون استخدام الكلمات أو التعرض الجسدي مثل التكشير بالوجه أو الإشارات غير اللائقة، بقصد وتعمد عزله من المجموعة أو رفض الاستجابة لرغبته.



وتتابع الأم عبر صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "ابني بعد الحادث تعرض لكثير من السخرية والتنمر من زملائه في المدرسة، ووصل الأمر بإطلاق أسامي بشعة عليه، روحت المدرسة كتير واتكلمت مع الولاد وأهاليهم ومع المدرسين، وبعد ما زاد الأمر عن حده، قررت أنقله من المدرسة، لفيت على أكثر من 7 مدارس رفضوا ياخدوه علشان شكله، ومديرة بإحدى المدارس قالت: "مش حاقدر أمنع عنه أذى الأولاد"، لحد ما لقيت مدرسة تقبله ولكن لم يختلف الأمر عن المدرسة الأخرى، فقرر الانقطاع عن المدرسة، وقالي "أنا بكره المدرسة"، ووصل إلى حالة غير مسبوقة من الاكتئاب، ثم انتحر، "مش مسامحة كل اللي كان السبب في انتحاره".


وقررت الأم نشر قصة طفلها، تزامنا مع إطلاق وزارة التربية والتعليم حملة "أنا ضد التنمر"، بالتعاون مع منظمة اليونيسيف والمجلس القومي للطفولة والأمومة لمواجهة التنمر في المدارس وتوعية الطلاب وأهاليهم والمعلمين بخطورة ذلك على مستقبل الأطفال وسلوكياتهم، ولاقت الحملة انتشارا واسعا في كافة الأوساط الإعلامية، وتخطت الحملة 11 مليون مشاهدة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن جانبها، نشرت "أمنية عبد الهادي" والدة الطفلة آسيل، 9 سنوات، ما تعرضت له منذ سن الحضانة، قائلة إن ابنتها من المصابين بمتلازمة داون، وبالرغم من أنها هادئة ومحبة لكل الأطفال، إلا أنها تعرضت للكثير من التنمر والسخرية حتى في سن الحضانة، "بيبصولها بطريقة مش حلوة ويضحكوا عليها، حتى لجأت لطبيب نفسي لتحسين الحالة النفسية للطفلة، بنتي جت قالتلي مفيش حد بقه يربي ابنه صح، أو يعلمه الرحمة وانه ميجرحش حد، لازم التربية تتغير، مش هستنى أخسر بنتي بسبب سخرية الناس".

ولم تقتصر ظاهرة التنمر على الأطفال فقط، حيث إن هناك الكثير من الشباب مازالوا يعانون من التنمر والسخرية التي تعرضوا إليها في فترة المدرسة، وهذا ما اكتشفته "بوابة الأهرام" خلال حوارها مع عدد من الشباب.

فقالت "مريم عبد الحافظ"، "21 عاما"، "كل اللي اتقالي مش نسياه من تريقة على لوني الأسمر ونضارتي علشان نظري ضعيف كانوا بيقولوي يا حولة أو ياأم أربع عيون، وسخرية على جسمي، حتى المدرسين مكنوش بيعاقبوا زمايلي الي كانو بيقولوا كده بالعكس، كان في مدرسة فاكرة اسمها لحد دلوقتي كانت دايما تقولي تعالي يا سودة وتضحك الفصل عليا، اللي عانيت منه وأنا صغيرة خلاني معنديش ذرة ثقة في نفسي، كان نفسي أدخل كلية إعلام وبسبب تقليلهم ليا وإن شكلي وحش منفعش في الميديا اخترت كلية تانية، بالرغم من أن مجموعي كبير، وده خلاني بعاني لحد دلوقتي".

فيما قال "أبانون مجدي" 29 عاما، "الناس فاكرة التنمر هزار مبيفكروش هما بيوجعوا الشخص إزاي، أنا اتعرضت للتنمر في المدرسة ومازالت بتعرض له وده أثر عليا بشكل كبير، أنا عندي إعاقة في رجلي ومشكلة في النطق، دائما كان زمايلي يسخروا من مشيتي، ومن طريقة كلامي، وطبعا ده أثر عليا بالسلب فكانت مشكلة النطق تزداد نظرا لسوء حالتي النفسية، وكنت مش عايز أروح المدرسة، وبرغم أن عمري أصبح  29 سنة لكنى لم أنس أي سخرية تعرضت لها، والوجع اللي حسسوني بيه".

" هاجر سيد" 26 عاما، قالت وقد ظهر على وجهها الألم والأسف بعد ما تذكرته من تعرضها للتنمر: "منار وهاجر ويوسف.. أكتر أسماء أذتني نفسيا وعمري ما نستهم ولا هنساهم، أنا سمرة وشعري كيرلي ورفيعة جدا ووشي أكبر من جسمي، ودي حاجة بتاعت ربنا، ولكن الناس معندهاش رحمة كانوا بيسموني بأسماء مخيفة زي سودة ومحروقة وشعرك ليفة، الكلام ده آثر فيا جدا، لدرجة أني كرهت شكلي، ولما كبرت كان أي حد بيقولي إنتي جميلة كنت بكذبه، ولكن وقفت مع نفسي مبقتش اسمع لكلام الناس، دول مرضى نفسين".



وأكد عدد من أساتذة العلاج النفسي لـ "بوابة الأهرام"، أن المتنمر مشروع مجرم في المجتمع، ولديه عقدة دونية، وأن سبب انتشار هذه الظاهرة في المجتمع هو تفكك الأسر وتراجع الدور التربوي في المدرسة بشكل كبير، ووضعوا عدة طرق للحد من هذه الظاهرة، موضحين علامات تعرض الطفل للتنمر.

وفي هذا الإطار، قال الدكتور علاء الغندور استشاري العلاج النفسي السلوكي والتحليل والتأهيل النفسي، إن غياب دور الأسرة والمدرسة بشكل الكبير في تربية الأبناء، أدت إلى انتشار ظاهرة تنمر الأطفال في المدارس، حيث أصبح الآباء منشغلين بأعمالهم وغير مهتمين بتربية الأطفال، وغابت التربية في المدارس، نظرا لأن المدرسين أصبح جمع المال هو العامل الرئيسي لهم.

غياب دور الأسرة

وعن غياب دور الأسرة، أكد استشاري العلاج السلوكي لـ "بوابة الأهرام، على ضرورة تأهيل الأم نفسيا واجتماعيا وسلوكيا على تربية الأطفال، نظرا أن الأم مسئولة عن التربية بنسبة 80%، لذلك فلابد من تعليم الأم معنى التربية الصحيحة للأطفال، لافتا لأن كل فترة في حياة الطفل لها طرق خاصة للتربية، فالفترة الأولي تبدأ منذ وقت الحمل حتى بلوغ الطفل عامين، ثم من عامين حتى 7 أعوام، ثم من 7 أعوام حتى 12 عاما، ثم الكارثة وهي من 12 حتى 16 عامًا، وهي فترة المراهقة، حيث أن عدم تأهيل الأب والأم لتربية الأطفال جعلت الطفل ضحية للخلافات الأسرية، حيث يقوم كل منهم بتفريغ غضبه في الطفل، فينتج عن ذلك "الطفل المتنمر".

انعدام التجمعات الأسرية

وأضاف أن التعامل بعنف أصبح أمر طبيعي بين الأطفال، وذلك بسبب الأسرة التي جعلته يعتاد على العنف والضرب داخل المنزل، مما يؤدي إلى رغبته في إظهار قوته على الضعفاء والتعامل معهم بعنف حتى يكون مسيطرا، مؤكدا أن دور الأسرة أصبح غائب بشكل يدعو إلى الخوف، لافتا إلى أن هناك انعدامًا للتجمعات الأسرية، حيث أصبحت التجمعات عبارة عن وجود الأشخاص في مكان واحد ولكن كل منهم يعيش حياته الافتراضية على الهواتف المحمولة، لذلك هناك غياب تام لدور الأسرة في تربية الأبناء.

وتابع "الغندور" في تصريحاته، أنه لا بد من عودة التجمعات الأسرية بشكل صحيح، وأن تكون هناك مناقشات في مواضيع تخص الأبناء، وأن يسير الحوار بطريقة صحيحة ومحترمة دون وجود أي من أساليب العنف أو صريخ الأم أو عقاب الأب بالعصا، حتى لا يولد التنمر داخل الطفل.

تراجع الدور التربوي بالمدارس

ولم يختلف غياب دور المدرسة عن غياب دور الأسرة، حيث أكد الدكتور علاء الغندور، أن هناك غيابًا تامًا لدور المدرسة في تربية الطلاب، لافتا إلى أن هناك تراجعًا في التربية التي سبقت التعليم في المسمى المتعارف عليه للمؤسسة المنوطة بالتعليم في المجتمع وهي "وزارة التربية والتعليم"، لنجد التربية تسبق التعليم هنا اصطلاحا فقط، أما في الواقع فقد تراجعت إلى حد الاختفاء، وهو ما يتوجب تكاتف جميع المؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدني لتفعيل الدور التربوي مرة أخرى في المدارس.


الإعلام يشجع على التنمر

كما أكد استشاري العلاج السلوكي، أن التوجه في البرامج والمسلسلات والأفلام أصبح منحدرًا للغاية ويزيد نسبة التنمر في المجتمع، حيث إن إظهار دور البلطجة بشكل مبالغ في جعل البلطجي قدوة للشباب والأطفال، منوها أن الإعلام له دور كبير على تقليل التنمر في المجتمع، عن طريق إبراز شخصيات عامة مفيدة للمجتمع وصالحة مثل محمد صلاح لاعب المنتخب المصري، مشيرا إلى أن 90% من الأطفال في مصر مرضى نفسين ويحتاجون إلى علاج نفسي.

تفكك الأسر

ومن جانبه، قال الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، إن الطفل المتنمر غالبا ما ينتمي إلى أسرة متفككة أو منتشر بها العنف والتسلط، أو الشعور بالحرمان العاطفي داخل الأسرة، فيكون الطفل مشحون، فيقوم بتفريغ ذلك العنف على أصدقائه في المدرسة، ويختار هذا الطفل المتنمر الضعفاء حتى يشعر بمدى قوته وسيطرته.

عقدة الدونية

وعن صفات الطفل المتنمر، يوضح "فرويز" لـ "بوابة الأهرام"، أن الطفل المتنمر هو طفل لديه شعور بعقدة الدونية والإحساس بالنقص الشديد بطريقة تؤثر على سلوكه، تجعله يتحكم ويتلذذ في السيطرة على الآخرين خاصة الضعفاء منهم، مشيرا إلى أهمية علاج الأطفال المتنمرين، مؤكدًا أهمية زيادة الوعي داخل الأسر والمدارس على كيفية تربية الطفل بطرق سليمة، والعمل على تحسين العلاقات الأسرية وكيفية التعامل مع الأطفال، مشيدا بحملة "أنا ضد التنمر" التي أطلقتها وزارة التعليم للحد من هذه الظاهرة، مؤكدا أن هذه الحملة ستحد من هذا التنمر في المدارس.

علامات تعرض الطفل للتنمر

وأوضح الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، بعض العلامات التي تؤكد تعرض الطفل للتنمر في المدارس، وهي "الاكتئاب والتوتر واضطرابات في النوم، وقلة التركيز، وكره شديد للمدرسة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام"، منوها إلى أن المتنمر سلوكه خطر في المستقبل، حيث إنه يؤثر على سلوكه بشكل كبير، والتي من الممكن أن تجعله مجرما.

وأكد أن الطفل المتنمر هو مشروع مجرم، لافتا إلى أن ضعف الإدارات التعليمية في المدارس أدت إلى تسلط المتنمر، حيث إن الإدارات لا تعاقب المتنمر على أفعاله خوفا، مما أدى إلى زيادة التنمر في المدارس بشكل كبير وعدم احترامه للمدرسة أو المعلم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: