تعد الوحدات الصحية الريفية من أهم المؤسسات العلاجية، كونها تخدم ملايين من أهالي القرى والنجوع، إلا أن بعضها انهار تمامًا، وتشهد الوحدات الصحية نقصًا وترديًا في الخدمات الصحية بوحدات القرى الصحية، فبعضها غير مجهز، والآخر بدون طبيب، ومنها المغلقة تمامًا، كما في بعض القرى والنجوع بعدة محافظات بالوجه القبلي والوجه البحري، والتي من المفترض أنها مجهزة بتخصصات الباطنة، والأسنان، والمسالك البولية، وأمراض النساء والتوليد.
5000 آلاف وحدة
وقد أظهر بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر في مارس الماضي، أن عدد الوحدات الصحية في المحافظات عام 2016 بلغ 662 وحدة في القطاع الحكومي، و1017 وحدة في القطاع الخاص، بإجمالي 1679 وحدة في القطاعين، فيما أعلنت وزارة الصحة ارتفاع الرقم إلى 5000 في 2018.
وأشار البيان إلى أن أولى المحافظات التي تمتلك أكبر عدد وحدات صحية حكومية هي القاهرة بـ97 وحدة، تليها الإسكندرية بـ39 وحدة، تليها الشرقية بـ38 وحدة، والمنيا بـ37 وحدة.
وقد سجل البيان، أن أعلى المحافظات التي تمتلك وحدات صحية تابعة للقطاع الخاص، هي محافظة القاهرة بـ371 وحدة، تليها الجيزة بـ136 وحدة، ثم الإسكندرية بـ133 وحدة ودمياط بـ129وحدة.
وأعلنت وزارة الصحة والسكان أن عدد الوحدات الصحية الموجودة خلال عام 2018 بلغ 5000 وحدة رعاية أولية بجميع المحافظات، وأنها بصدد تطوير وإنشاء وحدات صحية جديدة خلال العام نفسه.
غلق المعّدية يوقف الخدمة
يقول الدسوقي رفعت، مزارع ويقيم بمنطقة سهل الطينة ببورسعيد، لـ"بوابة الأهرام": إن الوحدة الصحية التابعين لها، وهي وحدة سهل الطينة، الآن في حالة تجديدات، ولكن كانت في السابق تقدم الخدمات الصحية بوجود أطباء متخصصين.
وتقول عبير عطية عزت، ممرضة بوحدة "سهل الطينة"، إن الوحدة تابعة إداريًا لمحافظة بورسعيد، مضيفة أن الوحدة الآن في حالة إحلال وتجديد للاستعداد لتطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل، هذا بالإضافة إلى أن الوحدة مغلقة ولا يعمل بها إلا قسم الطوارئ والتطعيمات وتنظيم الأسرة، والتي يقوم طاقم التمريض الكامل بالعمل، وذلك لغلق "معدية بورسعيد" من يوم 9/2/2018، مشيرة إلى أن غلق المعدية يمنع وصول الأطباء من مدينة بورسعيد إلى الوحدة.
1000 مستفيد
ولفتت عطية، إلى أن عدد المترددين على الوحدة شهريًا يصل إلى 1000 مستفيد، حيث إنه قبل غلق المعدية كان هناك انتظام في حضور الأطباء، فهناك طبيب بشري وصيدلي وطيب أسنان، كل على حسب الجدول.
خدمات ضعيفة
وعلى الجانب الآخر، يرى حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، أن الخدمات الصحية في الريف "ضعيفة جدًا"، وذلك نظرًا لوجود طيب ممارس في الوحدة وغير متخصص، هذا بالإضافة إلى عدم وجود الأدوية بصورة كافية".
بُعد المسافة
ولفت أبو صدام إلى أن بُعد مسافة المستشفيات العامة عن القرى قد يؤدي إلى عدم إسعاف الحالات الحرجة، الأمر الذي يمكن أن يقضي على حياتها، مشيرًا إلى أن المسافة بين المستشفى العام والقرية تصل إلى 80 كيلومتر، وأن الوحدات الصحية غير مجهزة لاستقبال الحالات الحرجة، وهي دون المستوى.
ويؤكد أبو صدام "حرمان الوحدات الصحية من مصل العقرب والثعبان وعقر الكلاب، واقتصارها على المستشفيات المركزية، ما يؤدي لمصرع أي مصاب بلدغة عقرب أو ثعبان خاصة في القرى النائية"، لافتًا إلى أن "منظومة التأمين الصحي الشامل خطوة نحو الطريق الصحيح، ولكن في حالة توفير الدعم اللازم لهذه المنظومة، ويكون هدفها التخفيف على المواطن، حيث أن تلك المنظومة سوف تشمل جميع فئات الشعب".
وأعرب أبو صدام، عن قلقه من أن "تتحول منظومة التأمين الصحي الشامل من تخفيف العبء عن المواطنين إلى أن تصبح عبئًا عليهم"، مناشدًا المسئولين بضرورة توفير المعدات اللازمة لمرضى الغسيل الكلوي، وكذلك مرضي الكبد والأورام، تيسيرًا عليهم، و"النظر لهم بعين الرحمة".
تقييم الأوضاع
ومن جانبها، ترى الدكتورة مايسة شوقي، أستاذ الصحة العامة ونائب وزير الصحة السابق، أننا بحاجة إلى "عمل تقيم لوضع الأساس لكافة المراكز الصحية الأساسية"، مشددة على ضرورة ووضع برامج لتحديد الأولويات، للبدء بالأماكن الأكثر احتياجًا للتطوير بناء على تقييم وضع الأساس.
وتشير شوقي إلى أن "هذه الدراسة تتم بشراكة كاملة بين مديري الوحدات والأطباء والتمريض وعينة ممثلة من الفريق الإداري، وينضم إلى هذه المجموعة أيضًا عينة من السكان المترددين على الوحدة"، لافتة إلى أنه "في ضوء هذه الدراسة العاجلة، يجب أن يوضع في الاعتبار أن هناك مناطق سكانية لا تتوافر بها الوحدات الصحية، ولا خدمات تنظيم الأسرة ولا الخدمة الصحية".
وأضافت: وهنا يجب أن توضع خطة زمنية مدتها 3 سنوات لاستدامة التغطية بالخدمة.
نقطة الالتقاء الأولى
وتشير شوقي إلى أن مراكز الرعاية والوحدات الصحية "تبرز أهميه تلك الوحدات والمراكز الصحية، لكونها نقطة الالتقاء الأولى بين المواطنين ووزارة الصحة حيث يأتي الفريق الأول متضمنًا الأمهات والأطفال للخدمات الوقائية، منها متابعة الحمل والولادة ومتابعة الأطفال الأصحاء والتطعيمات لكليهما، وكذلك خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، أما الفريق الثاني، الذي يأتي بشكوى مرضية، يتطلب ذلك الكشف والعلاج، وبالتالي يتضمن خدمة الكشف والعلاج"، مؤكدة أن "كون هذه الوحدات والمراكز الصحية، التي في مقدمتها خدمة التأمين الصحي يجب أن يتم تطوريها بصورة شاملة وعاجلة، ومن هنا يكون الاهتمام بالخدمات الوقائية كافة وكذلك كتدريب الأطباء والتمريض للارتقاء بجودة الخدمة".
وتضيف شوقي: يجب أن يشمل التدريب على البرامج الإدارية والتواصل مع المرضى وأسرهم، وعلى بروتوكولات العلاج المحدثة لضمان توحيد الخدمة على مستوى كافة المراكز، مشيرة إلى أنه "يجب أن يتم تدريب الفريق الصحي على برنامج الإحالة للمستشفيات المركزية، الأمر الذي يتطلب هذا التطوير إعداد قواعد بيانات للملفات الصحية للأسرة والطفل، ومنها نصل إلى عدد المنتفعين بالخدمة ومؤثراتهم الصحية والمنقطعين عن الخدمة لدراسة أسباب ذلك".
بيئة ملائمة
وتشير أستاذ الصحة العامة أيضًا إلى أنه "من (أهم) أركان تطوير الخدمة أن تكون البيئة الداخلية للوحدات الصحية ملائمة لاستقبال الحامل والأطفال والمسنين".
وترى شوقي، أن "من أهم البرامج التي على قمة أولويات الوقاية من الأمراض هي البرامج التوعوية، والتي يجب أن يتم تطوريها بصورة جوهرية وعاجلة وتوحيد مضمونها مع تطويعه للمتلقين في الريف والحضر، هذا بالإضافة إلى ضرورة أن يتم ربط قواعد بيانات الأدوية والمستلزمات الطبية في الإدارات الصحية، وكذلك بوزارة الصحة والسكان، لضمان توفر الأدوية ولمستلزمات بصورة دورية تضمن تيسير تقديم الخدمة ورضا المواطن المصري"، موضحة أن شبكة الوحدات والمركز الصحية المصرية "من أقوى شبكات تقديم الخدمة على المستوى العالمي، لاستيفائها سهولة وصول المنتفعين إليها، وأن نتائج المرجوة من هذا التطوير علاج 80% من المترددين وبالتالي خفض نسبة الإحالة إلى المستشفيات المركزية إلى 20%، مما يقلل ضغط التمويل على منظومة التأمين الصحي".
نقص القوة البشرية
وفي السياق ذاته، ترى الدكتورة إليزابث شاكر، عضو لجنة الشئون الصحية بالبرلمان، أننا "نعاني نقصًا شديدًا بالقوة البشرية، وذلك يظهر على الخدمات المقدمة في الوحدات الصحية، حيث أنه يمكن أن نجد 50 ممرضة، ولكن ليس هناك طيب واحد"، لافتة إلى أنه "منذ فترة كان صندوق النقد الدولي قد منح وزارة الصحة قرضًا، وبهذا القرض كنا نتعاقد مع أطباء على المعاش لسد العجز بالوحدات الصحية، ولكن بعد انتهاء القرض لا يوجد أطباء هناك".
منازل للأشباح
وتشير شاكر إلى أن "فكرة التواجد في الوحدات الريفية للأطباء غير محفزة، لذلك أرى تحفيز الأطباء سواء ماديًا أو بأفضلية التقديم بالدراسات العليا، حتى تكون مناطق جاذبة"، هذا بالإضافة إلى أن ميزانية الوزارة كانت تتركز على المباني بالمستشفيات، وليس منظومة التشغيل، حتى أصبحت منازل للأشباح".
وتتفق شاكر مع الدكتورة مايسة شوقي على "ضرورة الاهتمام بتدريب الأطباء للرعاية الأساسية، كخط أول في التعامل الصحي مع الطبيب، فإذا كان الطبيب مدربًا، فذلك بدوره يقلل الضغط على المستشفيات العامة"، لافتة إلى أن الاهتمام الأول بالقوة البشرية ثم تدريبها وتوفير الأدوية، ومن ثم أيضًا توفير المستلزمات الطبية في المستشفيات ورفع مستوى الطبيب، مع ضرورة إصلاح منظومة صناعة الدواء، والتي تعد من أهم التحديات التي تواجه وزارة الصحة في الفترة الحالية".