Close ad

"الروبابيكا".. التجارة الخفية التي يتصارع عليها "السريحة" و"النباشين" | صور

12-5-2018 | 15:25
الروبابيكا التجارة الخفية التي يتصارع عليها السريحة والنباشين | صورالروبابيكا
كمال مراد

"بيكيا" كلمة مختصرة لمهنة خفية، تحمل خلفها الكثير من الأسرار، ينادي بها رجل بسيط، بصوت جهوري، يدفع بصندوق خشبي، يحمل معادن ثمينة، تخلي عنها أصحابها بسهولة، ليتصارع عليها السريحة والنباشون، والجمعيات الأهلية، التي سحبت البساط لفعل الخير.

موضوعات مقترحة

"الروبابيكيا" هي كلمة إيطالية الأصل، تعني الأشياء القديمة، التي يتم الاستغناء وعرضها للبيع، تباع بنظام المزادات في الخارج، أما في مصر، فقد اتخذت هذه المهنة نظامًا خاصًا، يبدأ بالسريح الذي يجمع الأشياء القديمة، ويحملها لمخازن الفرز والتصنيف، التي تفصلها بحسب النوع والصنف، وتبيعها حسب سعر السوق بالكيلو للتجار، الذي يحملها للمصانع والمسابك لإعادة تدويرها.

ولا تقتصر مهنة "الروبابيكا" علي تدوير المعادن والخامات فقط، بل تمتد لدائرة أكبر من ذلك، للتجارة في الأنتيكات والتحف، التي يعثر عليها بالصدفة، وتجارة الأغراض المنزلية، والأجهزة الكهربائية المستعملة، التي تباع في الأسواق الشعبية، بالإضافة لجمع الخامات عن طريق نبش القمامة.

الروبابيكا

غضب "السريحة" من الجمعيات الأهلية
تقوم تجارة "الروبابيكيا" في الأساس علي "السريح"، الذي يعمل لحساب نفسه، أو لدي أحد مخازن جمع الخردة، التي تمنحه عربة "تروسيكل" أو "كارو"، وتخصص له حي معين للعمل به، لجميع الأغراض القديمة المستعملة، التي ينادي بصوته الجهوري لجمعها، ويسلمها في نهاية اليوم للمخزن، لتبدأ رحلة تدوير المعادن وتجارة الأغراض المستعملة.

بمنطقة مصر القديمة، خلف جامع عمرو بن العاص، جلس الحاج أسامة عبد الحفيظ، الرجل الخمسيني، الذي دخل لمهنة تجارة الخردة منذ 15عاماً، بدأها من بداية السلم "سريح"، والآن هو صاحب أحد المخازن، لجمع الخردة يقول:" المهنة تعبت قوي، بسبب سوء الأحوال الاقتصادي والركود، وعدم استغناء المستهلك عن أغراضه القديمة بسهولة".

لم يرجع الرجل حالة الركود، التي يعاني منها سوق "الربابيكا" والمعادن المستعملة، لسوء الأحوال الاقتصادية فقط، بل لتفضيل المستهلك وربات البيوت، التنازل عن أغراضهم القديمة المستعملة، من أجهزة كهربائية أو ملابس، لصالح الجمعيات الخيرية، التي تجمعها وتوزعها بالمجان علي الفقراء.

ويضيف الرجل وهو غاضب:" الجمعيات الخيرية، تجمع الأشياء المستعملة، مثل الورق والكتب القديمة والمعادن وغيرها، تصنفها وتفرزها في مخازنها، وتوزع الصالح منها علي الفقراء والمحتاجين، أما القديم منها أو التالف، فيتم بيعه للمصانع الورش، وتستخدم حصيلته في فعل الخير".

الروبابيكا

خطوات الفرز والتصنيف
يكشف الحاج أسامة، عن بعض أسرار المهنة، التي تبدأ من السريح، الذي يحصل علي عربية من صاحب المخزن، ومبلغ يتراوح ما بين 300- 500 جنيه يوميًا، لشراء الروبابيكا، وفي نهاية النهار، يحضر بحمولته للمخزن، ليتم فرز وتصنيف وفصل الخامات المستعملة، التي تحتوي علي الحديد والنحاس والألمونيوم، والورق والبلاستيك والزجاج وغيرها من الخامات، التي يتم جمعها وفصلها ووزنها.

وفي المرحلة الثانية، يتم بيع كل خامة لتاجر متخصص، في تجارة كل خامة، فيوجد تجار يحصلون علي الحديد فقط، وآخرون يحصلون علي النحاس والألمونيوم، لتدخل الخامات مرحلة أخري من الفرز، للتصنيف بحسب جودتها ونوعها، وفي المرحلة الثالثة تجمع كل خامة لدي تاجر كبير، يتولي التوريد للمصانع التدوير وإعادة التصنيع.

ينهي الرجل حديثه، وهو يشير علي أماكن مصانع وورش التدوير، الذي لا تبعد عنه كثيرًا في حضن الجبل، يتم الوصول إليها عن طريق حواري ضيقة، لا يتعد عرضها 3 أمتار فقط، تنتشر علي جانبيها منازل متهدمة، بني بعضها ما الصفيح والخشب، ليتداخل المنظر بشكل عشوائي، ينتهي برؤية سفح جبل يمتلأ بمصانع كبيرة لكبس وتجميع الورق والحديد والخامات المختلفة.

الروبابيكا

 

نبش القمامة وفصل الخامات
داخل مخزن كبير، متخصص في تجميع وفرز وتصنيف الألمونيوم، جلس مجموعة من الرجال والأطفال، انشغلوا في عمل شاق، بتركيز شديد، لاستخراج الألمونيوم، من الأجهزة الكهربائية وهاردات الكمبيوتر، وتصنيف أنواع الألمونيوم بحسب وزنه وسعره، استعداداً لكبسه في مكابس خاصة، وتجهيزه بشكل خاص، لبيع للمصانع والمسابك لإعادة تصنيعه.

خلف مكتب خشبي صغير، جلس عصام الضبع، الشاب الثلاثيني، الذي يعمل في المهنة منذ 20 عامًا ورثها أبًا عن جد، ويعلم جميع أسرارها وخباياها يقول: "نعمل علي تجميع الألمونيوم فقط ونصنفه بحسب وزنه ونوعه، وهو ما يحدد سعر بيعه للمصنع والمسابك، التي تقوم بتسيح الخامة، وإعادة تدويرها وتصنيعها من جديد".

يوجد بمنطقة مصر القديمة، مجتمع صناعي متكامل، تبدأ من جمع الروبابيكيا، وتصنيفها وفرزها، استعدادًا لكبسها في مكابس خاصة، فتجد ورش كبس الكارتون والورق، وأخري تجمع علب الكانز وزجاجات المياه الغازية، وفي النهاية تحملها عربات ضخمة لتوريدها للمصانع.

لا يقتصر جمع الخامات علي بائعي الروبابيكيا، يقول الضبع:" في الأونة الأخيرة، ومع ارتفاع أسعار الخامات، يمكن أن تري شخصًا عاديًا، يحمل كيس بلاستيك، يجمع علب الكانز أو زجاجات المياه الغازية من الشارع، بالإضافة لسريحة نبش القمامة، الذي يقوم عملهم علي جمع الخامات من القمامة".

يقوم نظام نبش القمامة علي نظام خاص، يبدأ بتاجر كبير يمتلك عدد من العربات الحديدية، يعمل لديه صبية وشباب، مهمتهم نبش القمامة وتجميع الكارتون وعلب الكانز والزجاجات البلاستيك، ويزاحم هؤلاء ناس عاديين، رأوا في تجارة المخلفات، باباً جديداً للرزق، وجمع الخامات وبيعها.

مخزن روبابيكا

تجارة المستعمل من المنازل لسوق السيدة عائشة
لا تتوقف تجارة "الروبابيكا" عند مهمة جمع الخامات وفرزها، أو نبش القمامة، ولكن تصل لأبعد من ذلك، للتجارة في كل شيء مستعمل داخل المنزل، مثل الأجهزة المستعملة والانتيكات والتحف، التي يحملها سريح الروبابيكا، وهو لا يقدر ثمنها أو سعرها الحقيقي، ويبتاعها منه صاحب المخزن أو تاجر الخردة، الذي يقدر قيمتها، ويبعها لجماعي الانتكات والتحف بأسعار خيالية.

علي دكة خشبية داخل محل، كبير امتلأ عن أخره بالأجهزة الكهربائية، جلس الحاج أحمد الصيد، الشاب الأربعيني يدخن النار جيلة بشراهة، يستقبل بين الحين والأخر، اتصالاً من أحد زبائنه أو العاملين معه، لشراء فرش أو أجهزة منزلية مستعملة أو أي شيء قيديم يقول:" بدأت المنهة دي من 25 عاماً، وكنت وقتها طفل صغير أسرح مع والدي، لجميع "الروبابيكا"، حتي تخصصت في تجارة المستعمل".

يكشف الرجل عن بعض أسرار مهنته، التي تبدأ بتجميع الروبابيكيا التي يتم فصلها وفرزها، أما الأشياء المستعملة، التي تصلح للاستخدام مرة أخري، مثل الأجهزة المنزلية، فيتم صيانتها مرة أخري، وبيعها في الأسواق الشعبية، في سوق التونسي والسيدة عائشة.

يكمل الرجل حديثه عن تجارته التي ورثها عن والده:" مهنة الروبابيكا مجالها واسع، وفاتحه بيوت كثيرة وبها عمالة مدربة، تبدأ من السريح مرورا بمخازن الفرز والكبس، وصولاً للمصانع إعادة التدوير والتصنيع، هذا بخلاف تجارة المستعمل والانتكات والمزادات".

كل ما يشكو منه الحاج أحمد، هو مزاحمة الجمعيات الخيرية لتجار "الروبابيكا"، وحصولهم علي الأجهزة المنزلية المستعملة، وإعادة بيعها في مزادات مرة أخري، وامتلاكهم لأماكن للفرز والتصنيف.

تحمل مهنة "الروبابيكا" الكثير من الأسرار، ويعمل بها قطاع كبير جداً، فلا توجد منطقة بمصر ومحافظاتها، تخلو من جود مخازن لتجميع الخردة أو الأجهزة المستعملة.

مخزن روبابيكا

الصناعات الهندسية: مهنة "الروبابيكا" تطورت و"الجمعيات" تؤدي دورًا اجتماعيًا
قال محمد المهندس، رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، إن تجارة المخلفات تطورت بشكل كبير في الوقت الحالي، بسبب تطور المجتمع ووسائل التكنولوجيا، وأصبحت الأسرة المصرية، لا تعتمد كثيراً، علي سريح "الروبابيكا" الذي يجمع المخلفات، مقابل المقايضة.

وأضاف رئيس غرفة الصناعات الهندسية، في تصريحات لـ" بوابة الأهرام"، أن المصريين بطبيعتهم يملون لفعل الخير، وبدل من أعطاء مخلفاتهم، التي تتضمن ورق أو معادن، لمشتري "الروبابيكا"، الذي يجوب الشوارع بعربة كارو، تفضل الأسر الاتصال بالجمعيات الخيرية، التي تقوم بعمل اجتماعي، وتأخذ هذه المخلفات، وتبيعها وتنفقها علي الأعمال الخيرية.

وأكد أن الصناعات المعدنية في النهاية، لم تتأثر بأي شكل، بعد دخول الجمعيات الخيرية مجال جمع المخلفات، لأنها في النهاية تصل للتجار الخردة، الذين يتولون فصلها وإعادة تدويرها مرة أخرى، وبيعها للمصانع المعادن والورق وغيرها من الصناعات.

ولفت المهندس إلي أن تجار الخردة، لديهم موارد أخري لجميع المعادن، غير "الروبابيكيا"، مثل دخول المناقصات، التي تجريها الشركات الكبرى لبيع مخلفاتها، أو جمع المعادن المتهالكة من بعض الصناعات الثقيلة، التي يتم إعادة تدويرها مرة أخري.

واستطرد أن سوق تدوير المعادي سوق كبير، وتعتمد عليه بعض المصانع، التي تعيد تشكيل وتدوير المعادن، مشيراً إلى أن هناك بعض المصانع تعثرت في الفترة الأخيرة، بسبب نقص المعادن الخام، التي ارتفع ثمنها بعد قيام البعض بجمعها وتصديرها للخارج، لتحقيق عائد مادي أكبر.

مخزن روبابيكا

مخزن روبابيكا

مخزن روبابيكا

مخزن روبابيكا

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: