عقب ثورة 25 يناير، وعلى موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، انشق الظلام عن مبادرات تعالج ظاهرة التحرش من جذورها، ببثها تجارب وحكايات لفتيات تعرضن لتحرش جسدي ولفظي، ولم تتوقف على مساحة البوح فقط بل كانت داعمة ومرشدة ومُدربة لشباب وفتيات أصبحن قوة حامية للفتاة في الشارع، خاصة في المناسبات التي يشتد فيها التزاحم وقت الأعياد وأمام دور العرض، وفي وقت إحياء أي ذكرى سياسية تتعلق بميدان التحرير.
وكما قلنا لم ينحصر دور هذه المبادرات في الفضاء الأزرق لـ"فيسبوك"، بل انتقلت فاعلياتها إلى الشارع، وعرض أصحابها خدماتهم على الجامعات والمدارس، لتثقيف الفتيات وتوعيتهن بكيفية الحفاظ على أنفسهن والتصدي لأي محاولات تحرش، ليس هذا فحسب، بل كان لهن دور كذلك في توعية الشباب وتنقية مفاهيمهم وتغيير الصورة النمطية الراسخة في أذهانهم حول المرأة، وأنها ليست مجرد جسد بل عقل وشريك فاعل للرجل في المجتمع، وهي أمه وأخته وزوجته وابنته.
وتُعد مصر في المركز الثاني عالميًا من حيث نسبة التحرش بعد دولة أفغانستان.
وكان المركز المصري لحقوق المرأة قد كشف عن أن 64.1% من المصريات يتعرضن للتحرش يوميًا، وتتعرض النساء عمومًا للتحرش سواء محجبات أو حتى مرتديات النقاب أو الأطفال، وإن كان المتحرشون يبررون تحرشهم بكون ملابس الفتيات مثيرة ولافتة للنظر.
المبادرات، التى يعمل بها الكثير من المتطوعين، تهدف دائمًا لتقديم الدعم للنساء والفتيات اللاتي تعرضن للتحرش، أو تمثل مجموعة "ضغط" تعمل على رصد وتوثيق ومكافحة جرائم التحرش الجنسي ضد النساء والفتيات. كما توفر الدعم القانوني والنفسي لكل من تتعرض للاعتداء أو العنف البدني في الأماكن العامة، كما ورد بوصف إحدى هذه المبادرات في صفحتها على الـ"فيسبوك".
وهناك مبادرات أخرى استخدمت أسلوب التفاعل ورصد بلاغات التحرش، لإيجاد بيئة رافضة للتحرش الجنسي في مصر، عن طريق إقناع كل فئات المجتمع والمؤسسات بالتصدي للتحرش الجنسي، سواء قبل أو فى أثناء حدوثه.
انجي غزلان، إحدى مؤسسي مبادرة "خريطة التحرش"، ترى أن المبادرات التي أسهم فيها مئات المتطوعين كانت بمثابة الحجر الذي حرك الفكر الراكد للمجتمع الذي كان لسنوات عديدة يرفض الاعتراف بوجود ظاهرة التحرش أصلًا.
وتقول "غزلان" لـ"بوابة الأهرام": في البداية كان هناك رفض كبير من جانب الناس والدولة نفسها بالاعتراف بموضوع التحرش، ولكن بفضل جميع المبادرات وجهود المجتمع المدني في هذا المجال، تم الاعتراف بتلك الجريمة، بل تم تعديل القانون، وهذه نتيجة جيدة جدا بعد عدة سنوات من العمل في هذا المجال، وكل ذلك بجهود المتطوعين واصحاب المبادرات، وكذلك الإعلام الذي سلط الضوء أيضا على الظاهرة".
وتؤكد الصفحة الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لإحدى هذه المبادرات أن المتطوعين بها يحصلون على تدريب خاص، ويقومون باستخدام المعلومات التي تم الحصول عليها من بلاغات الفتيات ومن الحملات الإعلامية كدليل للرد على جميع الأعذار التي يلتمسها أفراد المجتمع للمتحرشين، لإقناعهم برفض التحرش الجنسي، وتغيير المعايير الاجتماعية في الشارع.
وقد نجحت المبادرات أيضا في تشجيع الفتيات على المطالبة بحقوقهن، وتوعية المجتمع بعدم السكوت على الظاهرة أو الاستمرار في معتقدات خاطئة تلقي اللوم دائما على المتحرش بها أو المعتدي عليها، بالاضافة إلى حث جميع أفراد المجتمع على اتخاذ ردود أفعال ايجابية لمناهضة التحرش الجنسي الذي يحدث لهم أو لغيرهم.
ويقول مصطفى أيمن، أحد الشباب المتطوعين بحركة "شفت تحرش"، إنه اشترك في هذه المبادرة منذ ثلاثة أعوام بالصدفة حينما كان يتصفح الـ"فيسبوك"، حيث لفت نظره الدور الذي يقومون به، فقرر خوض التجربة والتطوع معهم، لحماية الفتيات وتوعية الشباب ضد التحرش.
وأضاف أيمن، وهو طالب بالجامعة لـ"بوابة الأهرام"، أن التحرش وصل إلى الحرم الجامعي، مشيرًا إلى أنه رأى كثيرًا من حوادث التحرش من الشباب ضد الفتيات، وكان أغلبها تحرش لفظي.
وأكد أن المبادرات والفاعليات التي تقام للتوعية ضد التحرش والتصدى لهذه الظاهرة حققت تقدمًا كبيرًا، واستطاعت أن تكون أداة تشجيع لكثير من الفتيات للإبلاغ عن المتحرشين، وتحرير محاضر ضدهم، كما فعلت هند عبد الستار التي كان الحظ حليفها في الحصول على حكم مشدد 5 سنوات ضد المتحرش بها.
وعن فكرة استخدام وسائل التواصل الأجتماعي في رصد المتحرشين وتصويرهم بشكل مباشر، تقول غزلان: "ربما تلجأ الفتيات لهذا النوع من النشر بسبب غياب الثقة، فهي لا تجد شخصا "يأخد لها حقها"، ولا تجد من يقف بجانبها، وربما لا تستطيع الإمساك بالمتحرش، وربما تجد أن هذا النوع من الحلول هو الأنسب لردع المتحرشين".