Close ad

ورحل صاحب "الكوب والسبحة".. سلطان العاشقين الشيخ أحمد التوني يعبر "بحر الخوف" إلى "خٌضر العمايم"

18-3-2014 | 08:23
ورحل صاحب الكوب والسبحة سلطان العاشقين الشيخ أحمد التوني يعبر بحر الخوف إلى خٌضر العمايمالشيخ التوني
قنا- محمود الدسوقي
خضر العمايم وأنا نايم ندهوني .. وأهل الكرم في الحرم ناديتهم جوني
موضوعات مقترحة

قالوا نعــدك معانا قلت عدوني .. أشـرط عليك في بحر الخوف تعدوني
لما لقيوني موافي الشرط ثبتوني .. فرطوا البوارق وحلفوا لم يفوتوني

بهذه الأشعار التي أنشدها الراحل أحمد التوني الشهير بسلطان العاشقين رثت الصفحة الرسمية للشيخ ياسين التهامي رحيله من الحياة، وانتقاله للحياة الأخري "لما لقيوني موافي الشرط ثبتوني" مشيرة إلي أنها تتمني أن تشفع تلك الأبيات التي أنشدها في النبي محمد عليه الصلاة والسلام له أمام سؤال الملكين في قبره مثلما قالت قصيدته "في بحر الخوف تعدوني".

التوني الذي تم تشييع جثمانه لمثواه الأخير في قريته الحواتكة - مركز منفلوط - محافظة أسيوط مساء أمس الإثنين عن عمر يناهز الـ90 عاما، تعدت شهرته الآفاق ليرتحل لـ20 دولة أوربية ليكون من السهل أن ترصد علي موقع اليوتيوب تحركاته، وانسجام مؤسسات العالم الغربي لحركاته وسكناته في النغم والمديح، حيث هو الوحيد الذي يسمعه نشطاء الفيس بوك وخريجو الجامعة الأمريكية والجامعات المصرية حيث مثل مع تلميذه ياسين التهامي أهم ظاهرة للمديح المصري بكل ظواهره الممتعة والمدهشة.

الشاعر عبدالرحيم طايع .. وأحد المختصين بتراث المداحين أكد لــ"بوابة الأهرام " أن التوني مثل ظاهرة قوية في الإنشاد المصري فهو استقطب فئات كبيرة للالتفاف حول فنه الذي اتخذ له رمزاً معروفاً وهو الكوب، والسبحة، مشيراً إلي أنه كان الوحيد الذي تحول إلي قدم راسخة في المديح.

ويؤكد طايع أن المسيرة التي حولت التوني كأحد الراسخين في المديح كانت طويلة بدأت بتجريب أشعار الصوفية العظام كالحلاج، وابن عربي، ومروراً بالمديح العامي الذي ينشده المتصوفة، والذي برع فيه وكان ثمة مميزة له خلاف تلميذه ياسين التهامي أحد أقطاب مدرسة المديح الصوفي باللغة الفصحي، والتي هيئت له أن يدرس في الجامعات المصرية كأحد المساهمين في الحفاظ علي اللغة العربية.

"دخلت عليه في بيته فوجدته يجلس على سريره، وترتسم على وجهه ابتسامته الهادئة التي لا تكاد تفارقه لتعكس لنا حالة الرضا والمصالحة التي في قلب الشيخ" .. هكذا أكدت الصفحة الرسمية لبلبل بالصعيد والتي يشرف عليها أحد المعروفين في الصوفية وهو محمود عبدالفتاح الرفاعي والذي قدم بالأمس آخر حواراً للتوني في منزله، وهو حوار يظهر مدي فجاعة محبيه في رحيله فالشيخ رغم عمره كان يحمل قلباً وعقلاً حاضراً.

يؤكد الرفاعي في حواره مع الشيخ الأتي: رغم أن الشيخ قد تخطى حاجز التسعين من العمر .. إلا أنه يحمل قلبا فتيا، وعقلا وذهنا حاضرا لم تغيبه، أو ترهقه طول الأيام ومشقة الليالي، ولا تكاد ترى من علامات كبر السن إلا هذه التعاريج التي تظهر على وجهه .. ترسم خطوطا كأنها خريطة للأماكن التي ذهب إليها وجابها في مصر، حيث لم يدع مكانا في مصر إلا دعي إليه وأنشد فيه، أو في خارج مصر حيث إنه زار كل بلاد العالم تقريبا منشدا بصوته الجهوري الشجي المبهر لكل من يستمع إليه.
صفحة بلبل الصعيد


الشاعر والباحث طايع يؤكد أن أزمة الفنانين والمثقفين في الأقاليم المصرية هي النظر إليهم أنهم فئة ثالثة، مشيراً أن رغم عمر التوني المديد إلا أنه لم يشتهر إلا في عمر كبير بعد أن فرض نفسه علي الساحة، وقام نشطاء الفيس بوك، وتويتر، وأغلبهم من خارج محافظات الصعيد بالتنبيه علي الكاريزما التي يحملها الرجل في أسلوب المديح، وجمال صوته، مضيفاً أنه حمل طابع خاص في تناوله للمديح من حيث اختياره للغة العامية التي طعمها باللغة الفصحي، وفي التطعيم مابين الفصحي والعامية تظهر تواريخ آخري محددة، ومميزة فالأمر هنا في المديح لا يرتبط بجمال الصوت فقط، وإنما بالأسلوب الذي تنهل منها روح المنشد.

في تاريخ المداحين في الصعيد تكون هناك سلسلة طويلة تبدأ غالباً من مداحين تحولوا في الصعيد إلي أقطاب رغم عدم وجود تسجيلات لهم مثل الشيخ حسن الدح الذي قام مريدوه ببناء مسجد يحمل أسمه بمحافظة قنا، ومثل المداح عبد النبي الرنان، وغيرهم حتي ظهر التوني ومن بعده ياسين التهامي، ومن بعده أمين التهامي، ومن بعدهم طبقة المقلدين لهما في الصعيد إلا أن التوني الذي استخدم الكوب والسبحة كان الوحيد الذي يلتقط النغم من الأشياء المحيطة فحاسة الصوفي كانت تتلبسه أكثر ما تتلبسه حالة المنشد الفنان.

يسرد طايع قصة الكوب، والسبحة مع سلطان العاشقين .. "كان مثلما حكي وأكد أنه كان يحمل كوباً فارغاً فاصطدمت به السبحة فأحدثت صوتاً ونغماً فاتخذها شعاراً"، ويضيف طايع .. "أن المريدين في الصوفية يرون الإيقاع يرتبط ارتباطاً حميماً بالحضرة والنغمة وربما هذا ما جعله يصر علي اتخاذ الكوب والسبحة شعاراً بعد أن تحول كراسخ في المديح وكسلطان في العشق".

بالكوب والسبحة أنشد التوني كافة القصائد المعروفة عنه والتي لاتعد ولا تحصي بل هو الوحيد الذي طعم أنشاده بالوحدة الوطنية، وبتوجيه مدحه للسيد المسيح، والسيدة العذراء ليكون أول مداح يصمم علي الاحتفاظ بالخاصية المصرية، وارتباطها بالعمق الحضاري لمصر وارتباطه علي تميز المديح المصري عن غيره من المديح الصوفي في أقطار المغرب العربي والذي يمثل مدرسة آخري في المديح.

ينهي طايع كلامه مؤكداً أن الدولة التي لا ترعي الفنانين الشعبيين في الصعيد، وتعتبرهم فنانين درجة ثالثة ولا تعترف بهم إلا بعد جوالات لهم في أوربا ستظل مؤسساتها قاصرة أن تجمع تراث هذا الرجل الذي استحق أن يكون ظاهرة متفردة تتلمذ علي يديها الكثيرين من المداحين العظام مثل ياسين التهامي بلبل الصعيد، مشيراً إلي أن عجز الدولة ورؤيتها القاصرة تجبر الباحثين علي التدوين والرصد بمجهودات ذاتية لعظماء المديح.
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة