لاتزال الإسكندرية ومبانيها التاريخية القديمة ترفض البوح بكل أسرارها وحكايات من شيدوها، حيث ظل عدد كبير منها لغزا محيرا لا يعرفه سوى أهل زمانه، كلغز مقبرة الإسكندر وغيرها الكثير والكثير.
موضوعات مقترحة
ومن بين المباني التي نُسجت حوله الحكايات الكثيرة، وأحيط به الغموض، مسجد "النبي دانيال"، الواقع في شارع يحمل نفس الاسم بمنطقة محطة مصر وسط المدينة الساحلية، يحارب عوامل الزمن منذ تأسيسه قبل نحو 250 عاما، ولايزال سبب تسميته غامضا، حيث تكاثرت الروايات حوله.
يقول الدكتور إسلام عاصم، نقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، إن المسجد شُيد عام 1790، مشيرا إلى أن في هذا الوقت كانت المدينة الساحلية تتكون من حيين سكنيين فقط، هما الجمرك ورأس التين، أما باقي المحافظة كانت عبارة عن صحراء.
وأوضح نقيب المرشدين السياحيين السابق لـ"بوابة الأهرام"، أن مسجد "النبي دانيال" هو أحد أهم المساجد والعلامات التاريخية البارزة في المدينة الساحلية، فالمسجد مبني على جبانة "كوم الدكة" التي تعود للعصر الروماني، قبل أن يتم استخدامها كمقابر إسلامية في العصر الإسلامي.
وعن سبب تسمية المسجد بهذا الاسم، قال "عاصم": "إن هناك لبس كبير فيما يتعلق بتسمية المسجد"، لافتا إلى اعتقاد البعض أن المسجد سُمي باسم أحد الأنبياء، ويدعى دانيال، وأنه مدفون فيه، مؤكدا أن كل هذه شائعات لا أساس لها من الصحة، حيث إن النبي دانيال عاش ومات قبل أن يؤسس الإسكندر مدينته.
وأشار إلى أن ما نُسب حول أنه سُمي بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ محمد دانيال الموصلي -أحد العارفين بالله- وهو أحد شيوخ المذهب المالكي، الذي نزح إلى الإسكندرية لتعليم أصول الدين الإسلامي على المذهب الذي يتبعه، مؤكدا أن بحثا قام به، كشف عدم دقة تلك الرواية، حيث إن الشيخ المذكور مات ودُفن في القاهرة.
وقال عاصم، إن التفسير المنطقى يمكن نسبته إلى وجود شاهدي قبر، الأول؛ كُتب عليه النبي دانيال، والثاني؛ كُتب عليه هنا يرقد الحكيم لقمان، مرجحا أن يكون سبب التسمية هي "شهادة رقية" من أحد الصالحين إلى النبي دانيال أو الشيخ محمد دانيال، وهي شيء كان منتشرا في مصر، أن يرى أحد الصالحين شخص صالح في المنام، فيطلق على اسمه مقام أو مسجد، ويسمى "مقام شاهد"، وهذا النوع من المساجد انتشر في مصر خلال العصر الفاطمي.
وأشار نقيب المرشديين السياحيين السابق، إلى أن المسجد يتكون من مساحة مستطيلة يتقدمها صحن مكشوف، كما أن جدرانه مزينة بالزخارف والنقوش الإسلامية القديمة، في الناحية الشمالية الغربية للصحن المكشوف توجد "الميضا"، وهو مكان مخصص للوضوء، كما أن للجامع واجهة رئيسية واحدة، وهي في الجهة الجنوبية الغربية، ثم يوجد بعد ذلك بيت الصلاة، وهو ينقسم إلى جزءين، مصلى للرجال وآخر للسيدات.
ويتابع وصف المسجد، يوجد بعد ذلك حجرة مستطيلة شبه فارغة، يوجد بها سلم خشبي يؤدي إلى الدور السفلي، الذي يوجد به صهاريج مياه كانت تستخدم لتخزين المياه في العصور القديمة، وفي المنتصف يوجد ضريحان، أحدهما للشيخ دانيال، والثاني يُعتقد أنه للقمان الحكيم.
أما ضريح دانيال، فهو عبارة عن تابوت خشبي، مكتوب عليه بعض الأدعية بعدة لغات، يغطيه اللون الأخضر.
وتقول الباحثة علا عبد المنعم، أن شارع النبي دانيال الذي يقع به المسجد، هو واحد من أقدم وأطول شوارع الإسكندرية، هو واحد من الشارعين الرئيسين في تخطيط المدينة القديمة، ويمتد حديثا من محطة الرمل وصولا لمنطقة محطة مصر.
وعن المسجد تقول: "النبي دانيال هو أحد أنبياء بني إسرائيل، في القرن السادس قبل الميلاد، ويقال إنه جاء للإسكندرية ودفن في المقام الموجود أسفل المسجد بحوالي 5 أمتار، مرجحة أن تلك الرواية غير حقيقية، لأن النبي دانيال مات قبل بناء الإسكندرية بحوالي 3 قرون.
ورجحت "عبدالمنعم"، أن يكون الضريح لأحد شيوخ المذهب الشافعي، هو الشيخ محمد دانيال الموصلي، والذي أتى إلى الإسكندرية في القرن الثامن، وعاش فيها ودرس علوم الفقه، وعند وفاته دفن في المسجد.
جانب من ترميم مسجد النبي دانيال جانب من ترميم مسجد النبي دانيال جانب من ترميم مسجد النبي دانيال