ربما يكون أحمد علي جمعة، ذو الـ38 ربيعا، هو آخر مصري يمتهن حرفة الرعي بالأجرة، حيث وجد نفسه منذ نشأته، أنه ينتمي لقبيلة جهينة العربية، التي تعيش بقرية المراشدة التابعة لمركز الوقف، شمال قنا.
موضوعات مقترحة
يخاصم "أحمد" التكنولوجيا، منذ أن فقد تليفونه المحمول، تلك الآلة التي وقعت من جيب جلبابه قبل وفاة زوجته الشابة، فصمم من وقتها أنه لن يجلب لنفسه تلك الآلة، ويعيش بدونها مادام حيًا، فقد علمته هذه المهنة القناعة والصبر والوفاء، وعرف تقاليدها وقوانينها ومواسمها أيضًا.
ليس الهاتف المحمول هو ما يحول دون العثور عليه، والوصول إليه في الزراعات المستصلحة من الجبال، مثلما يقول لنا "عبدالحميد"، أحد رجال التعليم بـ"الوقف"، والذي تطوع بالعثور عليه في رحلة بسيارته للعثور عليه في الجبال، ليوضح الراعي أحمد علي لــ "بوابة الأهرام "، أن حياته تتلخص في حرفة يمارسها صيفا أكثر من ممارستها شتاء، مؤكدا أنه ربما يكون الراعي الوحيد في الصعيد، الذي يمتهن المهنة بالأجر، فالأغنام ليست ملكه، إنما ملك لمجموعة من الناس يتركونها عنده بأجر زهيد، ثم يستلمونها منه بعد 6 أشهر.
"أسير يوميًا مسافة 8 كيلومترات ذهابًا وإيابًا، على الأقدام أنا والأغنام، نبحث عن الزرع الذي تم حصاده في النهار"، يخبر الراعي أحمد "بوابة الأهرام" بتقاليده اليومية، متابعا "سيري يكون بتقاليد الراعي، لا أغفل عنهم وتتابعهم عيوني، وحين تغرب الشمس أنام بالقرب منهم، إذا قادني حظي للذهاب بهم لمنطقة آمنة، بها أناس أعرفهم ويعرفونني في المنطقة الجبلية، إذا وجدت المسافة بعيدة عن الذهاب لمنزلي".
ويشرح أخر رعاة الصعيد التقاليد التي يعمل بها قائلاً: "مالك الأغنام يتركها عندي بفلوس، كل رأس بـ 100 جنيه فقط، آخذها لمدة 6 أشهر؛ أسلمها بعدها لصاحبها، ومن هذه الأجرة أعيش بها حياتي"، مضيفًا أنه عليه أن يكون أمينا، ويحافظ على الأغنام ويسلمها لأصحابها سليمة وسمينة، بعد أن تغذت على عشب الأرض.
الأغنام تعرف من يرعاها أكثر من مالكها، فتكون رهن إشارة الراعي الحارس، الذي يرفع عصاه بشكل معين لتنهض الأغنام من نومها، وتتبعه حيث سار، فالأغنام تتعلم السير بالانتظام، والراعي كفيل بأن يجعل الشاردة من السرب تذهب لسربها.
"الحيوان يفهم من يرعاه ويحبه"، يكشف لنا أخر رعاة الصعيد خبايا مهنته، مشيرًا إلى أنه حين يستظل بشجرة لينام من التعب، تتبعه الأغنام وتكون بالقرب منه، كما أنها تعرفه حين ينادي على بعضها بأسماء أطلقها عليها مسبقا.
ويشير الراعي الثلاثيني، إلى أنه منذ عدة أشهر توفيت زوجته، وتركت له 4 أولاد، أصغرهم رضيع يبلغ عمره العام ونصف العام، ومن ثم انقطع معاش تكامل وكرامة الذي كانت تصرفه من وزارة التضامن الاجتماعي، ويساعد في متطلبات المعيشة للأسرة، لذا كان عليه أن يصل الليل بالنهار -كعادتي في العمل- و"لكن بعقل مشغول"، على رعاية أطفاله الصغار.
ويستطرد قائلاً: منعت بعض أولادي من الذهاب للمدرسة، ليكونوا بالقرب مني، وقدمت لهم في الفصل الواحد بالقرية، قائلا: "كنت عاوز أعلمهم، ولكن ما باليد حيلة".
الراعي وأغنامه الراعي الراعي حوار "بوابة الأهرام" مع أخر راعي في قنا
حوار "بوابة الأهرام" مع أخر راعي في قنا