Close ad

"الله محبة".. رسالة أصغر طفل سريح في المولد النبوي وحلوى المسلمين ترسم البهجة على وجه "جرجس وأنطون"| صور

26-11-2017 | 16:13
الله محبة رسالة أصغر طفل سريح في المولد النبوي وحلوى المسلمين ترسم البهجة على وجه جرجس وأنطون| صور أصغر طفل سريح
ميادة عبد المنعم

على عربة "كارو" تربعت "أم جرجس" تتوسط الصغيرين جرجس وأنطون، في مشاركة منها لطفليها وجبة الإفطار المكونة من عدة أرغفة وبعض أقراص الطعمية التي وضعتها على أحد الأكياس التي تم تفريغها من القمامة مسبقًا، في حضور عشرات الحشرات الطائرة والزاحفة التي شاركتهم طعامهم، دون اكتراث من الأم لسؤال طفلها المتكرر عن حلوى المولد أو ما قد يصاب به الصغيرين من أمراض، لقناعة داخلية توقن بها تقول "الله محبة ولا يؤذى أحبابه من الأطفال".

موضوعات مقترحة

تجلس الأرملة التي تجاوزت عامها الثلاثين بخمس سنوات، طفلين صغيرين، تاركة قيادة "الكارو" للصغير جرجس، الذي فرضت عليه المسئولية ووفاة أبيه ترك التعليم بعد الالتحاق به لمدة عام واحد فقط.

"بساعد أمي في الشغل عشان أبويا مات ومتنعم فوق في الملكوت.. أنا دلوقتي راجلها ومينفعش أسيبها وأروح المدرسة وحد من الزباين يضربها ولا يضحك عليها وياخد شقانا" - كلمات كبيرة قالها الصغير جرجس ابن السابعة من عمره.

"أنطون- 4 سنوات" هو الابن الأصغر لأم جرجس، لم يتردد هو الآخر في استعراض بطولاته مع أمه، لذا فضل شرح ما يقوم به من مهام يومية.." أنا بطلع للزباين البيوت وبنزل شنط الزبالة على ضهري وممكن أشيل 15 شنطة لوحدي".

تعود الأم للحديث وتؤكد أنها تتحصل على جنيهان فقط مقابل رفع القمامة عن المنزل الواحد، يوميًا، في الوقت الذي يقاطعها "أنطون" ويشتكي من تعنت أخيه جرجس في الانفراد بقيادة الحصان "زيزو"، ويقول:" جرجس بيضرب زيزو بالكرباج يا أبله لكن أنا بمشيه بالراحه وبطبطب عليه عشان أبويا قالي الله محبه، يبقى مين يسوق العربية بقا؟


لباقة الصغيرين لم تكن من قبيل المصادفة أو بسبب خروجهم لسوق العمل فحسب وهو ما أكدته أم جرجس حين كشفت: " أبوهم كان يعشق القراءة رغم أنه لم يحصل إلا على الشهادة الإعدادية لكنه كان مغرمًا بجمع الكتب من القمامة وقراءتها وتلقين ما تعلمه منها لطفليه"، ثم تستكمل حديثها بضحكة وهي تضرب برفق على ظهر ابنها الصغير" اللي خلف ما ماتش.. لمضين زي أبوهم ربنا ينيح روحه".

"فين الحلاوة يا أمي بقا" – سؤال ظل يكرره أنطون على أمه بملابس متسخة ويدين صغيرتين تحملان آلاف الفيروسات وهو ينظر لأخيه جرجس ربما يجد لديه إجابة عن السؤال الذي تغافلته الأم.

ينشغل "جرجس" هو الآخر عن الإجابة، حيث بيمينه على كرباج ورثه عن أبيه، يلجأ لاستخدامه أحيانًا في تأديب حصانه الذي يضرب عن السير فجأة، بينما تتحكم أصابعه الصغيرة بزمام حبل طويل متصل برقبة الحصان، ليتحكم في السير بين حواري وأزقة منطقة التبة بالحي العاشر مدينة نصر.



"زبالة يا ولاد"- جملة تكررها أم جرجس بحنجرة تنتفخ أحبالها الصوتية لتصل بها لأعلي درجات صوتها كي يسمعها زبائنها وتعود بما يكفي ولديها.

تسكن الأم التي لم تستطع شراء علبة حلوى لطفليها بسبب ضعف العائد اليومي وارتفاع التكاليف، داخل قبو صغير بمنطقة التبة، استأجرته مقابل ٢٠٠جنيه شهريًا تدفعها من "قوت الحي" - حسب تعبيرها.

تضيف المرأة: "هنجيب حلاوة ولا هندفع الإيجار، إذا كان الزباين مشتروش حلاوة أنا يا فقيرة هشتري، طب نشتري فرخة ناكلها الأول وبعدين نحلي يا أنطون" ثم تستفيض الأم في سرد معاناتها لتؤكد أن يومها يبدأ مع السادسة صباحًا حيث تجوب الشوارع لجمع مخلفات الأهالي وأن غالبيتهم لا يلتزمون بدفع الأجرة ما يترتب عليه ضياع مجهودها وتعب الطفلين.

تعتمد أم جرجس في إطعام طفليها على ما تيسر من كرم بعض الزبائن وتقوم بتجميعه في "كيس" أما بقايا الأطعمة الفاسدة فتقوم بجمعها داخل جوال كبير تبيعه يوميًا لأحد مزارع الدواجن مقابل 3 جنيهات للكيلو الواحد، لذا تنصح أم جرجس، ربات البيوت وضع بقايا الطعام في أكياس منفصلة لاعتماد الكثير من الفقراء عليها بخلاف الطيور والحيوانات.

عباءة مغبرة وعمامة سوداء تلفحت بها أم جرجس صيف شتاء وهي في جلستها المعتادة، تنظر لطفليها في خوف من المستقبل وتركهم دون مظلة تأمينية أو دخل ثابت أو نقابة ترعاهم من بعد موتها.

تجلس الأم ومن خلفها أجولة ضخمة وضعت بها مخلفات الغير، التي تنقلها تباعا لتجار القمامة والفرز مقابل 7 جنيهات لكيلو للبلاستيك و5 للكرتون.

تؤكد الأم "السريحة" أنها تلجأ لتعنيف صغيريها بسبب الضغوط المادية والنفسية التي تطاردها، بينما لا يتوقف الصغيرين عن الشجار بسبب الخلاف على قيادة العربة لكنها تنهي الخلاف سريعًا بوضع قُبلة على جبين الطفلين، لتبدأ مراسم الصلح الذي لا يدوم سوى لحظات- على حد قول الأم التي تضحك وتقول.."نائر ونئير طول اليوم على الحال دا ربنا يهديهم واشوفهم عرسان".

"حلاوة المولد ليست قصرًا على أطفال المسلمين فقط" - معلومة أكدتها المرأة القبطية، التي تؤكد أنه لا فرق بين مسلم ومسيحي في الفرحة والأحزان وأن الله محبة.

كما تشير الأم، إلى أن الكنيسة عرضت عليها مرارًا وتكرارًا المساعدة وكفالة الطفلين مقابل جلوسها في بيتها لرعايتهما، لكنها ترفض بشدة معللة رفضها.. "عايزه اطلع العيال رجالة وبعدين اللي ياكل من ايده ما يتذلش".

أسرة مكافحة صغيرة العدد قليلة المال كبيرة النفس، وحصان عجوز لا يقل دوره أهميه عن دور الصغيرين، يقضي معهم يومه وليلته يجوب الأزقة والحواري ويحمل فوق طاقته مقابل 5 أرغفة وجنيه "برسيم" فضلا عن تحمله لضربات الكرباج من الصغير جرجس الذي لم يفطن لحداثة سنه أن ما يفعله قد يكون مؤذيًا لصديقه "زيزو".

براءة الطفلين والظروف المعيشية القاسية التي دفعتهم للتسرب من التعليم لم تمنعهما من التعلق بالمستحيل وهو ما أكدته إجابتهما حين بادرت بسؤال كل منهما على انفراد.."نفسك تطلع ايه لما تكبر؟" حيث أجاب جرجس: نفسي أطلع ظابط في الوقت الذي اختطف فيه أنطون الإجابة من على لسان أخيه ليقول: " وأنا كمان هبقى ظابط".

فريق عمل متكامل يجتهد ويعمل مقابل جنيهات معدودة ولأن النوايا طيبة ولأن الله محبة رزق جرجس وأنطون بعلبة حلوى جعلتهم يقفزان في الهواء على العربة الكارو وجعلتنا نحصل من "جرجس" على وعد بعدم ضرب الحصان مجددًا وحسن معاملته.

كلمات البحث
اقرأ ايضا: