بينما كان الشيخ "المدني" أحد مشايخ الطريقة السنوسية، مارًا بأرضهم قادمًا من بلاد المغرب، متجها إلى الحجاز، منذ أكثر من مائة وستين عامًا وجد قبائل الغرب تصارع قبائل الشرق، فألف بين قلوبهم وعقد بينهم عهدا على الإخاء والمحبة، ومنذ وقتها وأهل سيوة على هذا العهد.
موضوعات مقترحة
هكذا كان الوضع على بقعة صغيرة خضراء في قلب الصحراء القاسية، حيث تحيطها الرمال الناعمة الصفراء من جميع الاتجاهات، بينما ينبعث بريق لونها الزراعي المزركش بينابيع المياه كشعاع شمس مشرقة تخترق سماء الغيوم، تقبع هنا واحة "سيوة" أرض الحكايات والأساطير، حيث تعيش القبائل الأمازيغية محتضنة ثقافتها، منفردة بلغتها التي لا يفهمها غير أهلها.
ففي شهر أكتوبر أو نوفمبر من كل عام، يجددون عهد المصالحة وتصفية النوايا بينهم وبين بعضهم، بالاحتفال بعيد "الحصاد" أو "السياحة" أو "المصالحة"، حيث تقرر أول الليالي القمرية موعد عيدهم في كل عام، فتبدأ كل البيوت السيوية في الاحتفال بالتزامن مع حصاد محصولي البلح والزيتون.
وعند جبل الدكرور، الشاهد على وثيقة صلح الأجداد، يجلس أكبر الأحفاد سنا، وهم كبار السن في العائلات السيوية، متجمعين يتبادلون أطراف الحديث، بينما يجتمع الطهاة "الطباخين" لطهي اللحوم، التى شاركت بها كل البيوت السيوية، أو تبرع بها أحد الأثرياء، على نار الأخشاب، فكل منزل يشارك بالدقيق الذي تصنع منه رقائق الخبز وقطع اللحم، بينما يشارك الأغنياء بعجل أو ذبيحة لإعداد وجبة غداء، عبارة عن أكله شعبية مصرية، خبز باللحم مع الأرز "فتة" وبعد صلاة الظهر يجتمع الشباب من أهل سيوة، وتعد الوليمة الكبرى بصفوف طويلة من الأطباق، بشرط ألا يمد أحد من الحضور يده على الطعام قبل أن ينادي فيهم مناد يأذن لهم بتناوله بحيث يكون التناول جماعيًا.
أما من يخالف ويتسرع في الأكل، قبل إخوانه، فعقابه الضرب من الكبار، وإن كان بالعصا، لأنه قلل بركة الطعام، وبعد تناول الطعام يتنزهون في أسواق مدينتهم التي يفد إليها الزائرون من السائحين الأجانب والمصريين شهودا على عرس الإخاء والمصالحات بين أهل سيوة.
وبعد صلاة العشاء تبدأ الاحتفالات الروحانية الدينية، حيث تعقد "حضرة"، دائرة كبيرة تردد فيها الأدعية الدينية والأذكار والابتهالات، يقودها قائد يتغير من حين لآخر وممنوع على غير القائد المتواجد في منتصف الدائرة وتستمر الاحتفالية الروحانية أكثر من ساعتين يذهب بعدها كل شخص إلى بيته على وعد باللقاء غدا، وقبل الذهاب يسلم كل منهم على الآخر ويتصالح المتخاصمون وتنتهي الخلافات وتصفى القلوب بين السيويين.
وتستمر الاحتفاليات بعيد الحصاد أو السياحة لمدة 3 أيام قمرية، وفي صباح اليوم الرابع، تخرج مسيرة كبيرة من أبناء سيوة يحملون الأعلام ويرددون الأدعية والمديح والابتهالات الروحانية، حيث تبدأ من جبل الدكرور، وتمر بالمزارع والشوارع، وصولا إلى ميدان سيدي "سليمان" بجوار المسجد الكبير، وسط مدينة سيوة، معلنين بذلك انتهاء الاحتفالات ليبدأو عاما جديدا بدون ضغينة أو كراهية، بل بالحب والاحترام والمصالحات فى عيد "التصالح".
٫ ٫ ٫ ٫ ٫ ٫ ٫