فتحت جريمة مصرع 19 شابا من محافظات أسيوط والمنيا وكفر الشيخ، علي يد عصابات التهريب بدولة ليبيا، الباب حول ضرورة سن تشريع يقضي بضرورة تجريم الهجرة غير الشرعية، وتقديم الأشخاص الذين يقدمون شبابنا للموت إلي القضاء لمحاكمتهم باعتبارهم مجرمين، ليس هذا فحسب ولكن أيضا محاسبة الشباب أنفسهم في حالة القبض عليهم وترحيلهم إلى دولهم، وذلك للحد من هذه الظاهرة، التي أزهقت أرواح آلاف من الشباب، تحت دعوى الهروب من البطالة والفقر، إلى حلم الثراء والبحث عن وظيفة في دول إيطاليا واليونان وقبرص وغيرها من الدول الأوروبية.. "بوابة الأهرام" تحقق في الأسباب التي تدفع الشباب إلى الهجرة، وكيفية محاربتها في التحقيق التالي:
موضوعات مقترحة
محافظات الهجرة:
تشير دراسة أجراها مركز الأرض لحقوق الإنسان بعنوان "أوروبا والهجرة غير المنظمة في مصر بين المسئولية والواجب" إلي أن معظم الشباب الذين يهاجرون بطريقة غير منظمة من محافظات الغربية، والمنوفية، والشرقية، والدقهلية والبحيرة وتعد محافظة الفيوم أكثر المحافظات المصرية ارتفاعا في نسبة هجرة الشباب لأوروبا، فمن أكثر القرى الفيومية التي اشتهرت بسفر شبابها إلى أوربا قرية "تطون"، حيث تعد الأشهر على مستوى الجمهورية في هجرة الشباب إلى إيطاليا، ويقدر عدد أبنائها بايطاليا نحو6 آلاف شاب من بين 40 ألف نسمة هم إجمالي سكان القرية، ويقال إن اسم تطون مأخوذ عن اسم أحد شوارع إيطاليا، وتطلق القرية أسماء إيطالية على المحال التجارية بها.
وفي هذا الإطار يقول محمد همام، مدير تسويق بإحدى الشركات، إن الشباب يهاجرون إلى دول أجنبية، واضعين حياتهم على أيديهم، بسبب الفقر وقلة الإمكانات، وصعوبة الظروف الاقتصادية، ولذا فالناس تهرب من مصر على أمل أن تجد لها مستقبلا أفضل، وحياة أحسن، علما بأن المهاجر غير الشرعي يعلم أنه ذاهب في طريق مجهول، ومحفوف بالمخاطر، وقد لا ينجو من الموت.
أما ياسر علم الدين، موظف بجامعة أسيوط، فيقول إن الهجرة غير الشرعية بأنها "غير آمنة" وإن آخرها موت أو ترحيل، وفي حالة وصولك على البلد التي تقصدها، فسوف تعيش مذلولا، بسبب الهروب من الشرطة، وسوف تمكث سنوات من أجل تقنين وضعك في هذه البلد، وبالتالي فإنني لا أنصح أي شاب يفكر في الإقدام علي هذه الخطوة.
بينما يرى هلال عبدالحميد، أمين المصري الديمقراطي بأسيوط، أن الهجرة بكل أنواعها بما فيها الهجرة غير الشرعية، تأتي نتيجة مباشرة لتفشي البطالة، وضيق ذات اليد، وتعد محافظة أسيوط أكثر المحافظات فقرا على مستوى الجمهورية، ومن المحافظات المصدرة للهجرة غير الشرعية خاصة في مركزي أبنوب وساحل سليم.
ويضيف عبدالحميد أنه برغم من المخاطر التي يتعرض لها الشباب في التجربة القاتلة للهجرة غير الشرعية، إلا أن الشباب يأخذون بالمثل القائل "إيه اللي رماك ع المر قال اللى أمر منه"، وهناك من يلوم على سفر الشباب، ويدعي أن الفرص بمصر كبيرة، ولكن الشباب يفضلون السفر لغسل الصحون بالخارج، إلا أن هذا الكلام غير صحيح، فبمجرد الإعلان عن وظائف -مهما كانت نوعها- نجد زحاما لا مثيل له عليها.
ويطالب أمين المصري الديمقراطي بأسيوط بفتح المجال لفرص عمل جديدة، وعقد اتفاقيات بين مصر والدول الغربية لتصدير العمالة بعد إجراء تدريب تحويلي ودراسة أسواق العمل بالغرب، معترضا على تطبيق عقوبات على الشباب المهاجرين، ولكنه يطالب بتغليظها على مافيا تهريب الشباب.
الظروف الاقتصادية:
تقدر الأمم المتحدة أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى دول العالم المتقدم خلال السنوات العشر الأخيرة بنحو 155 مليون شخص، وتقدر الإحصاءات الدولية عدد الشبان المصريين الذين نجحوا في دخول العديد من دول الاتحاد الأوروبي خلال السنوات العشر الماضية بنحو 460 ألف شاب، من بينهم نحو 90 ألفا يقيمون في إيطاليا بشكل غير شرعي.
ويعتبر الدكتور علي سيد، المدرس المساعد بكلية طب الأسنان بجامعة الأزهر، أن الهجرة غير الشرعية مخاطرة كبيرة بحياة أي إنسان، ولا يلجأ إليها الشاب إلا مضطرا، تحت نيران الظروف الاقتصادية القاسية، وعدم قدرته علي الحصول علي فرصة عمل مناسبة تكفل له الحد الأدنى من الحياة الكريمة، لذا فليس من العدل أن تقصر الدولة في توفير حقوقه الأساسية، ثم تحاكمه عندما يبحث عنها في دولة أخري، فقبل تفعيل القانون علي الشباب يجب توفير الحد الأدني من الحقوق الاقتصادية للمواطنين.
في حين يرى محمود معوض نفادي، محامٍ، أن تغليظ العقوبات وتجريم الهجرة غير الشرعية وحده غير كافٍ لمواجهة هذه الظاهرة، فالمواجهة القانونية ربما تكون رادعة بالنسبة للعصابات والتنظيمات التي تعمل في هذا المجال بغرض التربح، ونعول هنا أيضا على قدرة الأجهزة الأمنية في كشف تلك العصابات قبل وقوع الجريمة، ولكن بالنسبة لشبابنا أرى أن الدور الأكبر على الحكومة في أن تنجح في أمرين على التوازي، الأول هو زيادة فرص الاستثمار بصعيد مصر واستغلال المناخ والموارد، وبالتالي خلق فرص عمل جديدة توفر الحياة الكريمة للشباب، وتزرع في نفوسهم الأمل في مستقبل أفضل وتعزز لديهم قيم الانتماء لهذا الوطن، والأمر الثاني أن تكثف وزارة الهجرة ووزارة القوى العاملة عملها بأساليب متطورة وخطط تدرس احتياجات سوق العمل في كل دولة لتوفير فرص عمل بالخارج للشباب المصري والإعلان عن ذلك باستمرار في مختلف المحافظات، وتسهيل الإجراءات لتشجيع الهجرة عبر الإطار الشرعي والرسمي لها.
أما ياسر أبوسيف، أمين حزب الحركة الوطنية في أسيوط، فيشدد على ضرورة إصدار تشريع من مجلس النواب يحظر الهجرة غير الشرعية، نظرًا لأنها محفوفة بالمخاطر، وتودى بحياة الإنسان، مشيرا إلى أن الشباب معذور، لأنه يلجأ للهجرة غير الشرعية، بسبب عدم وجود فرص عمل وخاصة في صعيد مصر، الذي تزداد فيه نسبة البطالة بين الشباب، بخلاف القاهرة ومحافظات الوجه البحري، وعلى الدولة إعادة النظر في توزيع المشروعات حتى يتمكن الشباب من العيش على أمل الحصول على فرصة عمل، توفر له دخلا مناسبا.
توفير فرص عمل:
أكدت السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج ، أن الدولة ليست ضد الهجرة الشرعية والمصريين في الخارج، بل العكس الدولة تتعبرها إضافة جيدة لمصر، فهم خط الدفاع والأمن القومي المصري ، ولا يبخلون أبدا بخبرتهم على مصر، وذلك في تصريحات صحفية منشورة يوم 3 يوليو الماضي خلال مؤتمر "مصر تستطيع بالتاء المربوطة".
وفي هذا الإطار تعلق الدكتورة إيمان عباس، أستاذ علم الاجتماع بكلية آداب جامعة أسيوط، على الأمر بقولها إن معدلات الهجرة غير الشرعية قلت، بعد حادثة مركب رشدي الأخيرة، لأنه تم فرض عقوبات صارمة على السماسرة الذين يسهلون عملية سفر الشباب إلي المجهول، ولكن بعد حادثة مصرع 19 شابا من المنيا وأسيوط وكفر الشيخ على يد هؤلاء السماسرة في ليبيا فإنه لابد من قيام الحكومة بسن تشريعات تحد من الهجرة غير الشرعية وتجرمها، ولكن قبل كل هذا على الحكومة توفير الأسباب التي تمنع الشباب من الهجرة غير الشرعية، مثل توفير فرص عمل، ودعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وكذلك تخفيف العقوبة على الشاب المهاجرين، وتغليظها على سماسرة السفر، حتى يمكننا أن نحارب هذه الظاهرة.