في 4 يوليو من عام 1888م، نجحت قوات الشرطة في إلقاء القبض علي كل من يونس محمد خليل، وإسماعيل علي، وفرغلي إبراهيم، بتهمة تنفيذهم سطوًا مسلحًا علي عزبة الشيخ مصطفي أبو النصر، بمنطقة الخصوص، التابعة لمديرية القليوبية.
موضوعات مقترحة
اعترف الثلاثة بعد إلقاء القبض عليهم، أن علي أحمد الفقيرة، كان رابعهم في تنفيذ حادثة السطو التي تمت في لية الأربعاء، الموافق 25 شوال، عام 1305 هجرية، الموافق 4 يوليو من عام 1888م، كما اعترف المتهمون أن الفقيرة هرب لموطنه الأصلي أسيوط، لتبدأ رحلة البحث عن الفقيرة في سجلات دفتر أحوال المجرمين في مصر، بنهايات القرن التاسع عشر.
بعد مرور عام واحد من الواقعة، وبالجلسة المنعقدة في يوم الأحد 24 مارس عام 1889م، انعقد القومسيون العالي لوزارة الداخلية للاطلاع علي أوراق قضية حادثة السطو المسلح، واعترافات المتهمين الجازمة باشتراك الفقيرة معهم.
تقول الوثيقة: "صار الاطلاع علي إفادة مديرية القليوبية الواردة برقم 66، والأوراق المرسلة معها، والتي تبين منها أنه صار ضبط علي أحمد الفقيرة من سوالم أبنوب بمدينة أسيوط، البالغ عمره 28 سنة، والمحكوم عليه غيابيا بالقومسيون العالي بعقوبة الأشغال الشاقة، مدة 5 سنين، لاشتراكه في السطو الذي حصل علي عزبة الشيخ مصطفي أبوالنصر الكائنة بأراضي الخصوص.
في عام 1861م، وقبل افتتاح قناة السويس بمدة 8 سنوات، ولد الفقيرة في قرية سوالم أبنوب بأسيوط، في أسرة حملت اسم الفقر المدقع، لم يكن ذا جذور تركية وعثمانية وأوربية، كي يحوز المناصب في وطنه، دون أن تخبرنا الوثيقة، هل كان والده ضمن آلاف العمال الصعايدة، الذين تم أخذهم بالقوة لحفر قناة السويس، فولد مشردا يتيما مجبرا علي أن يمارس السطو والسرقة، كي يسد جوعه.
كان الفقيرة الذي لايملك شيئًا من حطام الدنيا سوي قلبه الشجاع الذي لا يهاب المخاطر، مجبر أيضا أن يرتحل من بلدته أسيوط، كي يمارس السرقة مع أقران لا يعرفهم، يتفق معهم علي تنفيذ السرقات والسطو، ثم يقتسم مناصفة ما استطاعوا سرقته، يضعون الخطط للسطو علي أملاك الأعيان والباشاوات والأفندية والمشايخ في دولة الخديو توفيق وينفذونها.
فعلوا ذلك أكثر من مرة، خاصة حين دخلت مصر في مرحلة الفوضي العارمة، وقت قام الإنجليز باحتلالها وتسريح قوات الجيش والشرطة للسيطرة علي المؤسسات المصرية، حيث أدت الأزمة الاقتصادية الطاحنة إلى أن تكثر حوادث القتل والسرقات.
كانت عزبة الشيخ مصطفي أبوالنصر بالخصوص، هي آخر سرقة نفذها الفقيرة مع أقرانه، ويبدو أنها كانت سرقة كبيرة جدا، جعلته يدخل في مخاطرة كبيرة أدت لإصابته بإصابة كبيرة، جعلته يهرب بجلده خوفا علي نفسه من إلقاء القبض عليه، كي ينجو بحياته المعرضة للخطر جراء إصابته بطلق ناري.
هل فشل مخطط الفقيرة وأقرانه في واقعة السطو؟ هل تم إلقاء القبض عليهم، بينما هو نجا بأعجوبة وهو ينزف دما؟، وثيقة القومسيون، لا توضح كيف استطاعت الشرطة إلقاء القبض عليه بعد عام من تنفيذ واقعة السطو المسلح، إلا إن الوثيقة تؤكد، أنه تم إعلانه بالحكم الصادر عليه غيابيا، فأنكر كل التهم المنسوبة إليه، مؤكدًا، بصيغة جازمة أنه مريض منذ عام وشهر في غربته عن موطن رأسه بأسيوط، وأن مرضه الخطير بمصر "القاهرة" استلزم أن يعيش مع أشخاص يسألون الناس الإحسان، ويمتهنون عدة مهن.
هل كان الفقيرة مجرد شحاذ، وجد نفسه محاطا بعصابة امتهنت السرقة؟، كيف عاش مع طائفة الشحاذين التي كانت تطاردها الحكومة علي الأرصفة والقطارات؟، هل كانت الشحاذة هي القناع الذي يلبسه الفقيرة الذي تلبسه الفقر حتي في اسمه وألقابه وسجلات الحكومة؟، هل استطاعت الشرطة إلقاء القبض عليه، وهو يتجول متخفيا مع القرادتية أو في موالد الصعيد؟ أم في القطارات؟.
يقول أحمد حزين الشقيري، الباحث التاريخي لــ"بوابة الأهرام"، إن الوثيقة لا توضح لنا ما هو المرض الذي أصاب الشاب الفقيرة، لافتا، أن الفقيرة الذي كان يمتاز باتقان الحيل والخداع، استطاع أن ينجو من واقعة السطو الفاشلة علي عزبة الشيخ مصطفي أبوالنصر بالخصوص، وأن يهرب لمدة عام وشهر، حتى نجحت الشرطة في إلقاء القبض عليه.
تؤكد وثيقة القومسيون العالي لوزارة الداخلية، أن الفقيرة الذي ادعي أنه عاش مع طائفة الشحاذين، الذين يسألون الناس الإحسان، لم يأت بأي دليل علي أنه لم يشارك أقرانه الذين تم إلقاء القبض عليهم الجريمة، وبالمداولة، قرر القومسيون العالي لوزارة الداخلية، إجراء مواجهة بين علي أحمد الفقيرة وبين كل من يونس محمد خليل وإسماعل علي وفرغل إبراهيم، الذين أكدوا في محاضر الشرطة، اشتراكه معهم في حادثة السطو.
كان علي الشرطة، أن تتحفظ علي الفقيرة، وأن تقوم بتقييده بالأغلال، وترحيله من أسيوط حتي مديرية القليوبية، لتحدث المواجهة التي لم تخبرنا الوثائق هل انتهت بدخوله السجن وتنفيذ حكم السجن لمدة 5 سنوات، أم براءة الفقيرة كي يلحق بأقرانه الشحاذين، فيحكي لهم عن حيله وخداعه وجرأته التي جعلته يصاب بالأمراض فيقبع مدي الحياة موسومًا باسمه واسم عائلته الفقيرة.
1 1 1 1