وصفت مدينة دمياط بالعديد من الأوصاف، لعل أشهرها ما جاء على لسان الرحالة ابن بطوطة عندما زارها في عام 1325، بأن "سورها حلوى وكلابها غنم"، وكان يعني، وصف الرحالة المعروف، أن سور مدينة دمياط عبارة عن محال متلاصقة لبيع الحلويات، وأن شوارعها يتجول فيها الغنم بدلًا من الكلاب، دلالة على الخير الوفير، وقد لازمت صناعة الحلويات هذه المدينة منذ القدم.
موضوعات مقترحة
ونحن على أعتاب موسم جديد لصناعة الحلوى، ابتهاجًا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، تعرضت الصناعة القديمة بدمياط لصعاب وأزمات، كان آخرها ما يحدث الآن من ارتفاع أسعار الخامات، ومستلزمات الإنتاج، وحتم ذلك على صناع حلوى المولد "الابتكار".
"ابتكرنا أصنافا جديدة، بخامات أقل تكلفة، وموجودة في السوق المصرية، لمواجهة الغلاء"، هذا ما أكده "الشيف وليد"، الذى يعمل في أحد المصانع الشهيرة بدمياط، خلال حديثه لـ"بوابة الأهرام، مشيرًا إلى أن الابتكار هو الوسيلة الوحيدة الباقية لاستمرار الصناعة.
وأضاف أن هذا الابتكار يعتمد على براعة "الشيف"، وفهمه لطبيعة الزبائن، موضحًا أنه كان من الضروري ابتكار أشياء جديدة نحافظ بها على الصناعة القديمة، وفى الوقت نفسه نحافظ بها على المكانة وأسرار المهنة في كل مصنع.
ويتابع " الشيف وليد": أسعار حلويات المولد النبوي الشريف هذا العام زادت بصورة رهيبة، ولكنها من الممكن أن تكون في متناول الجميع، حسب احتياجات العائلات، حيث بلغ سعر كيلو "الجزرية الحبل" 230 جنيهًا، و"اللديدة" و"الحمام" و"الجزرية العادية" 58 جنيهًا، و"اللوزية" و"البندقية" 240 جنيهًا للكيلو، بينما وصل سعر كيلو الملبن إلى 145 جنيهًا، و"الفولية" إلى 57 جنيهًا، و"الحمصية" إلى 55 جنيهًا، أما سعر علبة "الفزدقية" فبلغ 530 جنيها، وهو أعلي أسعار للحلوى على الإطلاق.
ويقول الحاج علي العمدة - مدير مصنع حلويات بدمياط: "بالطبع هناك تفاوت في الأسعار من مكان إلي مكان، ومن مصنع إلي مصنع، رغم أن الخامة أحيانا واحدة"، مشيرًا إلى أن هناك محال تحدد هامش ربح بسيطا؛ لتبيع أكثر، وهي محال غالبا تكون عليها زحام، ولها اسم كبير، وتستغل موسم "مولد النبي" لبيع أكبر كمية؛ لأن المصنع على سبيل المثال يعمل قبل المولد بشهر تقريبا؛ للتحضير وهذا في حد ذاته مكسب كبير للمصنع، وللعمالة التي تعمل بشكل منتظم في حلويات المولد.
وأوضح استمرار الحرص على صناعة "عروسة المولد" التقليدية، مؤكدًا طرحها بأسعار لم تتحرك كثيرًا عن العام الماضي، حيث تراوحت بين 13 و32 جنيها، حسب مقاس كل عروسة، بينما وصل سعر الملبن إلى 115 جنيهًا للكيلو بجميع أنواعه المعروفة في دمياط.
محمد المانش - صاحب مصنع حلويات في دمياط - أوضح أنه رغم التطور الموجود في صناعة الحلويات، فإن "عروسة المولد" ما زالت موجودة وتتم صناعتها، وكذلك الحصان، بلونهما الأحمر، ويتم بيعهما في المحال وعلى الأرصفة، وعلى عربات اليد، وهى متوافرة بكثرة، ولها زبائنها من كل مكان، مؤكدا أنها أصل حلاوة المولد النبوي، وأن كل الكميات المنتجة منهما تباع؛ لأنها تعد حتي الآن في متناول كل الفئات، وهى هدية للأطفال وللشباب وللبنات.
سيدة المنزل في النهاية هي العقل التجاري المدبر لشئون الأسرة، وهي صاحبة قرار الشراء وتحديد الكميات، حيث تقول هبة يوسف - ربة منزل - إن حلويات المولد النبوي لا يستطيع شراؤها المواطن البسيط، مشيرة إلى أن التجار تحججوا منذ عام بغلاء أسعار السكر الذي وصل حينها إلي 18 و20 جنيهًا للكيلو، وقد انخفض سعر السكر الآن، إلا أن التجار لم يخفضوا الأسعار.
وأوضحت أن التجار تحججوا هذا العام بارتفاع أسعار المحروقات، وكل عام سيتحججون بحجج "بايخة"، حتى أصبح من يستطيع شراء حلويات المولد بأسعار هذا العام هم الأغنياء، وذوات الدخول العالية، وعلى الفقير أن يحتفل بمولد النبي بـ"الفرجة" على الحلويات الملقاة في الشوارع، وفي "فاترينات" المعارض.
مايدن إيهاب - طالبة - أكدت لـ"بوابة الأهرام" إصرارها مع والدتها على صنع حلويات "المولد النبي" هذا العام في المنزل، مثل "الفولية"، و"اللديدة"، و"السمسمية"، لافتة إلى أن تكلفتها ستكون أقل مما يتم شراؤه من معارض الحلويات، وأن الصنع في المنزل مفيد لصناعة الكمية التي تكفي أفراد أسرتها فقط دون زيادة.
وأوضحت أن المواد المستخدمة في صناعة هذه الحلويات متوافرة عند العطارين، مثل جوز الهند والسمسم، والروائح، مثل الفانيليا وروح الورد، وبالطبع ستكون صناعة منزلية تتصف بالنظافة، وسنعيد فكرة تجمع العائلة علي صناعة منتج.
وتكمل "مايدن" أن والدتها قالت لها: "لو تركنا الفيس نصف يوم سنصنع حلويات المولد النبوي، وسنتعلم صناعة الحلويات المهمة والغالية، وهذا مكسب كبير لأي عائلة".