هل نحن في حاجة إلى موجة إصلاحات جديدة؟.. هذا التساؤل قد يكون صادماً خاصة أنه يأتي وسط تأكيدات محلية وإقليمية وعالمية عن نجاحات مذهلة لبرنامج الاصلاح الاقتصادي الذي جرى تنفيذه من 2016 إلى 2019 على ثلاث مراحل متتالية.
موضوعات مقترحة
والحقيقة أن هذا النجاح هو ما يجعل من المحتمل الدخول في برنامج اصلاحي جديد كمرحلة تالية لاستثمار نجاحات البرنامج الأول.
وأذكر أنني في مقال سابق في أغسطس 2018 ومع ظهور بوادر ومؤشرات جيدة لأداء البرنامج الجاري تطبيقه في ذلك الوقت قد نبهت إلى أهمية البدء في تأهيل وتحفيز القطاع الخاص ليتولى زمام وقيادة المرحلة التالية وكان ذلك تحت عنوان "القطاع الخاص وقيادة قاطرة النمو".
وفي نهاية النصف الأول من عام 2019 وتحديدًا في إبريل طالبت في مقال تالٍ بعنوان "جذب الاستثمارات أولوية المرحلة القادمة" بضرورة التركيز على جذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع ضخ رؤوس أموال في كل القطاعات الصناعية والتجارية واللوجستية والزراعية والقضاء على كل المعوقات التي تُعرقل تحقيق ذلك.
والحقيقة أن بوادر نجاحات البرنامج الاقتصادي مبكراً هي ما جعلتني أُقدم هذه الأطروحات باعتبارها من المبادئ الحاكمة لتعظيم عوائد النجاح، فهي تشكل معاً إجابات أولية عن سؤال كان يتم طرحه على استحياء في هذ الوقت المبكر، وهو ماذا بعد هذا البرنامج.. وكيف ستترجم هذه الأرقام على أرض الواقع.. وما هي آثارها المباشرة على مكونات الاقتصاد المصري؟.. هذا السؤال الذي أصبح اليوم طرحاً حتمياً وضرورياً لضمان استمرار النجاح والنمو لروافد الاقتصاد المصري.
وفي إطار التوصل إلى رؤية متكاملة للإجابة على هذا التساؤل، ظهرت أكثر من نظرية للتعامل مع هذه المرحلة، اتخذت مسميات متعددة منها العمل على برنامج إصلاحات جديدة أو الدخول في موجة ترتيب البيت من الداخل، أو إطلاق مبادرات متنوعة في اتجاهات مختلفة.
والحقيقة أن البرنامج الاصلاحي الجديد هو برنامج مختلف عن السابق، فهو برنامج إصلاح إنتاجي وتسويقي بالدرجة الأولى، وهو برنامج نوعي وهيكلي من ناحية أخرى، ينتقل بإنجاز ارتفاع معدل النمو العام - أكثر من 5.8% في المتوسط - إلى إنجاز مماثل في معدل نمو القطاع الخاص، ويستفيد من انخفاض معدلات التضخم (الأقل منذ أربع سنوات)، وانخفاض أسعار الفائدة ليصل إلى تحقيق هدف جذب رؤؤوس الأموال الأجنبية، وفتح الهياكل التمويلية في الجهاز المصرفي، ويرفع من القدرة التمويلية للاستهلاك المحلي، ويستفيد من توازن ميزان المدفوعات والميزان التجاري في تحقيق قفزات تصديرية بحيث تكون الأهداف القادمة استكمالاً واستثمارًا لما تحقق من أهداف سابقة.
ويمكن اعتبار المبادرات الرئاسية والحكومية التي جرى الإعلان عنها أوائل العام الجاري جزءًا من هذا البرنامج الجديد خاصة مبادرة التمويل الاستهلاكي ومبادرة تمويل المصانع المتعثرة ومبادرة تفضيل المنتج المحلي، ومبادرة التمويل العقاري، ومبادرات قطاعات التجزئة المصرفية.
فهذه المبادرات يمكن الارتكاز إليها في التوصل لبرنامج إصلاح شامل يستهدف تنمية الأسواق ورفع معدلات القدرة الشرائية وتنشيط عمليات التمويل على أن يتضمن البرنامج مبادرات اجتماعية على غرار تكافل وكرامة ومبادرة حياة كريمة وغيرها بما يجعلنا أمام برنامج قومي شامل لايستبعد ماسبق وإنما يبنى عليه وينطلق منه، ولامانع من الاستفادة من خبرات المؤسسات الدولية في هذا الشأن مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وذلك من خلال اتفاقات إصلاحية غير تمويلية توفر الخبرة والدعم الفني والتقني.
ولا مانع في هذا الشأن من الابتعاد عن بعض الاصطلاحات التي تثير الحساسيات الجماهيرية، مثل اتفاقيات جديدة مع صندوق النقد أو موجة إصلاحات جديدة.. فمن المهم توافر الحاضنة الشعبية القوية للمرحلة التالية، وهو ما يتطلب الأخذ في الحسبان كافة العناصر مهما كانت هامشية أو غير هامة من وجهة نظر البعض.
فلازال التكاتف والتعاون المشترك بين كافة القطاعات الاجتماعية والجماهيرية والاقتصادية هو أهم القواعد الحاكمة لأي نجاحات مستهدفة خلال الفترة القادمة، فلا يجب أن نتغافل على أن أهم هذه الأهداف على الإطلاق هو المواطن نفسه سواء بصفته مستثمرا أو جزءا من منظومة الاستثمار أو العمل في القطاع الخاص أو بصفته عميلا ومستهلكا.
فهذه المرحلة هي مرحلة التعاطي المباشر التي يجب اكتساب المحيط الجماهيري المساند لتحقيق أهدافها، لذلك فإنني أشدد على أهمية الجمع بين ما هو استثماري واقتصادي من ناحية، وما بين ما هو اجتماعي وجماهيري من ناحية ثانية، وبين الخبرات والتجارب الدولية والمعطيات والخصوصيات المحلية في وصفة مصرية خالصة لبرنامج جديد لإعادة ترتيب البيت المصري من الداخل بعد قدرته على تحقيق إنجازات ضخمة أشاد بها الجميع في برنامج الاصلاح الاقتصادي الأول من 2016 وحتى 2019.