Close ad

زيارة الرئيس السيسي لأمريكا

7-4-2019 | 23:56

تكتسب زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الولايات المتحدة الأمريكية، أهمية كبيرة في توقيتها ومضمونها، وفيما يتعلق بالتوقيت فإنها تجيء في وقت تموج فيه منطقة الشرق الأوسط بسلسلة أزمات معقدة ومتشابكة تقود لزيادة مطردة في منسوب العنف والمخاطر المحدقة بهذه المنطقة الملتهبة على أصعدة عدة، لا سيما المرتبطة منها بالمحافظة على الدولة الوطنية المهدد كيانها وقواعدها في بعض دول الإقليم تحت وقع ضربات الميليشيات المسلحة وجماعات دينية متطرفة تتعاون وتنسق معها.

كما يرتبط بتوقيتها ظاهرة الإرهاب البغيض، الذي لا يوجد أحد شرقًا أو غربًا في مأمن منه ومن لدغاته السامة، وإصرار بلدان كقطر وتركيا على احتضان عناصر إرهابية ومتطرفة بأراضيهما، واستغلالهم كمخلب قط لزعزعة استقرار دول بالمنطقة، والتدخل بصفاقة في شئونها الداخلية، في محاولة لفرض أجندة عمل وخطط جماعة الإخوان الإرهابية الساعية لكرسي الحكم؛ مستخدمة أخس الحيل وأحقرها لتحقيق هذه الغاية.

ومن حيث مضمون القمة المصرية - الأمريكية فإنها ستتناول ملفات حيوية للجانبين تصب كلها في اتجاه تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين القاهرة وواشنطن في شقيها الاقتصادي والعسكري، وستتواكب مع الاحتفال بمرور ٤٠ عامًا على تأسيس مجلس الأعمال المصري - الأمريكي، ومعروف أن الولايات المتحدة تعد الشريك التجاري الأكبر لمصر؛ حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 8 مليارات دولار، كما تتصدر أمريكا الدول المستثمرة في مصر بأكثر من 16 مليار دولار، ومن المأمول أن تسهم زيارة الرئيس السيسي في إعطاء دفعة قوية للعلاقات الاقتصادية المصرية - الأمريكية بما يخدم مصالح مصر عبر إقامة منطقة للتجارة الحرة بين الدولتين.

وفي تقديري المتواضع فإن سادس اللقاءات بين الرئيسين السيسي ودونالد ترامب سوف يؤسس لمسار مغاير في العلاقات الثنائية قوامه التعاون والتفاهم والتقارب بين زعيمي البلدين اللذين يجمعهما تفاهم واضح، ولغة مشتركة تسهل كثيرًا تعاونهما؛ بما يعود بالنفع على المصالح القومية العليا لكل طرف، وما يعزز وجهة نظري بهذا الصدد أن أمريكا تضع في اعتباراتها وحساباتها حزمة من المعايير المحورية التي لا يمكن إغفالها من جانب صانع القرار في البيت الأبيض والمؤسسات الأمريكية الأخرى، ونوجزها في النواحي الآتية:

أولا: أن مصر عنصر أساسي لا غنى عنه في معادلة التوازنات والاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل ما يمر به الشرق الأوسط من مشكلات خانقة وعاصفة، عجز المجتمع الدولي والولايات المتحدة عن إيجاد حلول دائمة لها، كالقضية الفلسطينية، والأزمات السورية، واليمنية، والليبية.

وهو ما يعني حتمية وضرورة التنسيق والتشاور معها حول سبل إنهائها بما يحفظ أمن واستقرار المنطقة، وهو ما سيعود أثره الإيجابي على الأمن والاستقرار الدولي، وسيضعف تمامًا الحجج والأعذار التي تسوقها الجماعات الإرهابية لدى تنفيذها عمليات إرهابية بدعوى مساندة القضية الفلسطينية مثلا.
ثانيًا: أن الوقائع والتطورات الجارية أثبتت صواب وجدية توجه مصر وقيادتها السياسية، منذ التحذيرات المبكرة للرئيس السيسي من الأخطار الداهمة للإرهاب وجماعات الإسلام السياسي التي تستتر خلف عباءة الدين، وأنه لابد من اتخاذ موقف حاسم تجاه أذرع التنظيمات الإرهابية في أوروبا وغيرها، وفي مقدمتها تنظيم الإخوان الدولي الذي يسعى لاستمالة دوائر صناعة القرار؛ برفع لافتات كحقوق الإنسان، وحرية التعبير، وحبس النشطاء لخدمة مشاريعها الخبيثة في تقويض وابتزاز الدولة الوطنية وتغذية التطرف والإرهاب بكل همة ونشاط.

وعبر عن هذا المعنى المهم بوضوح شديد ريتشارد بلاك عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية فيرجينيا، في ندوة عقدت الأسبوع الحالي في الكونجرس الأمريكي تحت عنوان "العلاقات الإستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة"، حينما قال: "إن ما جرى في 30 يونيو ثورة شارك فيها 30 مليون مصري ضد حكم الإخوان، وأنه يدرك خطورة هذه الجماعة، وأن القوات المسلحة المصرية أنقذت مصر من سيناريو مدمر أعده الإخوان، وشبه بلاك الرئيس السيسي، وما يقوم به من إجراءات لدرء الفتن في مصر، بما فعله الرئيس الأمريكي الأسبق إبراهام لينكولن، باتخاذه قرارات وخطوات للحفاظ على وحدة أمريكا ضد أي فوضى".

ثالثًا: إن مصر داعمة وحارس أمين للدولة الوطنية، وكانت من أشد وأقوى المدافعين عنها خلال السنوات الخمس الماضية، وحذرت مرارًا وتكرارًا - وبدون توقف - مما يُحاك ضدها من الإرهابيين والمتطرفين سعيًا لهدمها وتفكيك أوصالها، حتى يستتب الأمر لفكر ومنهج العصابات المسلحة؛ التي لا تقدر قيمة الوطن والدفاع عنه، ومستعدة دائمًا لعرض خدماتها على من يدفع أكثر.

رابعًا: إن مصر باتت مالكة لتجربة نجاح اقتصادية ومالية بشهادة هيئات ومؤسسات دولية أحدثها كانت من صندوق النقد الدولي، الذي أعلن أن برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري يسير على الطريق الصحيح، وأشاد بما أنجزته مصر، منذ البدء في السياسات الإصلاحية الاقتصادية في 2016، وتحمل تبعاتها وآثارها المؤلمة الشعب المصري بصبر وجلد؛ والذى كان دوامًا موضع تقدير وإشادة من قبل الرئيس السيسي وأجهزة الدولة المختلفة.

هذه التجربة الناجحة من الممكن أن تهتدي بها دول أخرى لتجاوز عثراتها الاقتصادية والمالية، بالإضافة إلى أن تحسن الاقتصاد المصري واجتذابه المزيد من الاستثمارات الأجنبية يلبي مصالح الولايات المتحدة الراغبة في الاستثمار، وفتح أسواق جديدة لمنتجات شركاتها ومصانعها، مثلما تسعى مصر للولوج أكثر في السوق الأمريكية الشاسعة، ولا يخفى على كل لبيب أن الدولة المصرية تحاول قدر طاقتها الاعتماد على مواردها الذاتية في تلبية جزء لا بأس به من احتياجاتها الأساسية، لكيلا تصبح تحت رحمة أي طرف من الأطراف، ورغبتها تلك نابعة أولا وأخيرًا من استقلالية قرارها، ووضعها المصالح العليا للوطن فوق ما عداها.

استنادًا إلى ما سلف، فإن العلاقات المصرية - الأمريكية تتجه لفتح صفحة جديدة تصحح أخطاء فادحة ارتكبتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وكان لها تأثيرها السلبي على العلاقة بين القاهرة وواشنطن، والآن فإنه يتعين على بعض الدوائر الأمريكية تجنب الوقوع في الفخاخ التي تنصبها الجماعة الإرهابية من أجل تشويه صورة مصر وقيادتها والتحريض عليها.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة