Close ad

في هجاء ومديح المنتخب

27-6-2018 | 13:27

لن أجادلك، ولن أنتقص قيد أنملة من حقك الطبيعي والشرعي في أن تغضب وتتألم وتتحسر وتحبط، بسبب هزيمة منتخبنا الوطني لكرة القدم المدوية والمحزنة في مونديال روسيا.

كما يحق لك عزيزي المواطن الصبور أن تسوق بأدب وذوق ما شئت من أسباب واتهامات مستندة لقرائن بينة، بحثًا عن إجابات شافية ومقبولة؛ تفسر ظهورنا بشكل لا يتناسب بالمرة مع ثورة التوقعات والآمال التي تفجرت، عقب نجاحنا في الوصول لنهائيات كأس العالم، بعد 28 عامًا من الغياب عن المحفل الدولي المُقام كل 4 سنوات، وأنا على استعداد كامل في هذه المساحة لسرد الحقوق المكفولة للمواطنين المصريين، لتفريغ شحنات غضبهم مما فعله المنتخب.

أما الذي لا يحق لك - ولا لغيرك - وبدون جدال، هو إهانة المنتخب الوطني والاستخفاف به بصورة مزرية، والمشاركة في حفل كبير - أقامه بعض المصريين في وسائل الإعلام - لذبحه بسكين بارد، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من المطالبة بسحب الجنسية من اللاعبين والطاقم الفني، وبلغ الغي والشطط لدى بعض المشجعين مبلغه بسب المنتخب بألفاظ نابية يندى لها الجبين، وغفلوا عن أن الرياضة تحكمها قاعدة ذهبية، هي أن فيها فائزًا وخاسرًا، وأن الخسارة ليست مرادفة للاغتيال المعنوي لجيل بكامله من اللاعبين الذين لم يحالفهم التوفيق، وشابت إعدادهم مثالب عديدة، وأن النقد البناء له ضوابطه وأخلاقياته الواجب مراعاتها والتمسك بها، مهما تكن الضغوط، حتى يمكن استخلاص العبر والدروس من الأخطاء التي قادت للهزيمة، والعمل على تصحيحها سريعًا.

ولعل الفائدة الوحيدة لرد فعل البعض المندفع والأهوج على هزيمتنا في ثلاث مباريات، تتمثل في أنه كشف لنا عن عيب خطير بالمجتمع المصري يحتاج لدراسته بدقة، هذا العيب هو غياب الاعتدال وحضور الشطط. فبينما نشكو مر الشكوى من التطرف والتزمت الديني؛ وما يجره من ويلات وخراب على المجتمعات العربية والغربية، فإننا نناقض أنفسنا ونمارسه بأشكال أخرى، فنحن نهجو بشطط ونمدح بشطط.

وتتذكرون كيف استقبلنا فوز منتخبنا ببطولات إفريقية سابقة بترحيب بالغ، وحلقنا معه للسموات السبع، وألقينا قصائد المديح العصماء في لاعبيه ومديره الفني واتحاد الكرة، حينها كان منتخب الأحلام الوردية، وعلقنا صور نجومه على صدورنا وفي منازلنا ومكاتبنا، وانقلبت الأشعار التي تغنينا بها إلى سهام نارية حادة وجهت لقلوب اللاعبين، وكوبر، واتحاد الكرة، وانتقلنا في غمضة عين من تطرف المديح إلى تطرف الهجاء.

أصِفٌه بالتطرف؛ لأن المسألة تجاوزت حدود النقد المباح وغير المباح إلى عملية ممنهجة؛ لتحطيم معنويات المنتخب والقائمين عليه، فالرسوب ليس مسوغًا ولا مبررًا لتحطيم المؤسسات والأفراد، فهل فكرت الجماهير التي هاجمت المنتخب - لدى خروج الأتوبيس الذي يقله بعد مباراة السعودية - في أن سبابهم قادر على إحباط لاعبيه وقتل روحهم المعنوية لسنوات مقبلة؟

ثم أين احترامنا لرموزنا الوطنية التي يمثل منتخبنا الوطني أحدها؟

لم نراع هذا البعد تمامًا، وأهلنا التراب الكثيف على رمز وطني لا ننكر وقوعه في خطايا يجب أن تكون موضع تحقيق شفاف وعاجل، ولم نراع أيضًا أن هناك جهات في الدولة المصرية مسئولة عن محاسبة المهملين، وعدم التهاون مع الذين أخمدوا شعلة الأمل في نفوس 100 مليون نسمة، كانوا يتوقون لرؤية منتخبهم يقدم أداء مشرفًا، وسط صفوة منتخبات الساحرة المستديرة، وأستغرب ذلك الإقبال الجماهيري مُنقطع النظير على توجيه الإهانات وتدمير المعنويات.

كذلك أستغرب من حصر واختزال مصدر البهجة والسعادة الجماهيرية على كرة القدم دون غيرها، فلو أن هذه الجماهير المعلقة قلوبها بالساحرة المستديرة وفي غمرة هجومها على المنتخب، التفتوا قليلًا لوجدوا أنه في نفس التوقيت كانت هناك مجموعة من اللاعبين المصريين المشاركين في دورة البحر المتوسط بإسبانيا يحققون إنجازات مبهرة، لم تسلط عليهم الأضواء الكافية والمستحقة.

ففي غضون 3 أيام حصدنا أزيد من 23 ميدالية ذهبية وفضية في رفع الأثقال والسباحة والكاراتيه والرماية.. إلخ، لم نذكرهم بالخير ونشيد بهم إلا بعد هزيمة المنتخب؛ حيث أشار إليهم بعض المعلقين والشخصيات العامة عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولو سألت الغاضبين والشامتين في المنتخب عن قدر معرفتهم بالأسماء التالية:

أحمد سعد، جيانا فاروق، فريدة عثمان، إبراهيم مصطفى، أريج سعيد، أحمد سعيد، وهبة صالح، مالك جمعة، أحمد رجب، فلن تعثر على من يجيب، فهؤلاء بعض الأبطال الفائزين بميداليات في بطولة إسبانيا.

فكم منكم يعرفهم ويشجعهم ويتابع أخبارهم، وكم مرة ظهروا في برامج رياضية، أو حوارية، ومن اهتم باستدعائهم لعمل إعلانات عن منتجات وسلع معمرة في رمضان، أو التبرع للمستشفيات الجاري تشييدها لعلاج أمراض مستعصية، أو منحهم قدرهم المستحق من الثناء؟

تلك الأسماء - وغيرها - مبعث فخر وسعادة، ولو كنا حريصين صدقًا وعدلًا على تنويع مصادر الأمل والابتهاج لما رأينا شططًا عند وداع منتخبنا لمونديال روسيا، فهم أولى بالرعاية والمتابعة الجماهيرية، وأن نستثمر فيهم، وأن نفسح لهم مجالًا أوسع على الساحة، وأن نتذكر أن الرياضة والأخلاق وجهان لعملة واحدة، وأن من يفرط في الأخلاق يخسر كثيرًا، وسيندم وقت لا يفيد الندم والحسرة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الوحش الأفغاني

بين جبال أفغانستان الشاهقة يختبئ مقاتلو تنظيم داعش خراسان الذى أعلن مسئوليته الشهر الماضي عن العملية الإرهابية التي استهدفت مركزًا للتسويق قرب العاصمة