Close ad
2-5-2018 | 00:29

داخل قاعة الاحتفالات بالإسكندرية، حيث جرى أمس الأول ـ الإثنين ـ تدشين أسبوع "إحياء الجذور المصرية - اليونانية القبرصية"، رأيت فيضًا من المحبة الجارفة والمشاعر الصادقة تجاه مصر من قبل رئيسي اليونان وقبرص، اللذين كانا يتحدثان من القلب بلسان مواطنين مصريين وليسا كرئيسي دولتين أجنبيتين؛ فمشاعرهما كانت نابضة ومفعمة بالصدق والحميمية، فما يخرج من القلب يصل للقلب.

 وبالفعل لمس الحضور مدى تقديرهما لبلدنا الذي احتضن ـ ولا يزال ـ القبارصة واليونانيين، ورغبتهما في استمرار علاقات الدول الثلاث والانطلاق للأمام. فعندما يقول نيكوس انستاسيادس رئيس قبرص، إنه زار مصر نحو 11 مرة حتى الآن، ويحس بأنه في وطنه، فإنه يعبر عما يجيش في نفسه، فكلامه يعكس حقيقة ما بقلبه وبعقله، وليس عبارات دبلوماسية معتادًا ترديدها في مثل هذه المناسبات.

وعلى دارسي العلاقات الدولية التوقف كثيرًا بالتحليل والشرح أمام تطور العلاقات المصرية - اليونانية - القبرصية بوتيرة غير مسبوقة، خلال فترة زمنية وجيزة، فالمصالح المتبادلة ليست وحدها الأساس الذي ارتكزت عليه، فهناك ما هو أشمل منها، برغم أهميتها للأطراف الثلاثة، متجسدًا في حزمة من القيم والمبادئ المشتركة التي تسهل تقاربهم وتناغمهم، مثل الإيمان القوي بمبدأ التعايش، والتسامح، والتجانس، وقبول الآخر، والتعددية الثقافية والفكرية والدينية، والتفاهم بين الحضارات وليس الصدام، مثلما يروج المفكرون والمثقفون الأمريكيون والغربيون الذين يخاصمون تقارب الحضارات.

وبالرجوع إلى كلمات الرؤساء الثلاثة بالاحتفال ستعثر على ما يؤكد ما سبق، فالرئيس السيسي أشار بوضوح إلى أن مساحة المشترك بين البلدان الثلاثة أكثر بمراحل من مساحات الاختلاف والتعارض، وأن أبواب مصر لم تغلق في أي وقت من الأوقات أمام أحد قصدها على مدار التاريخ، وأن القبارصة واليونانيين اندمجوا بالمجتمع المصري، وأصبحوا مكونًا من مكونات نسيجه، وأن الجميع لهم حق المواطنة تحت مظلة الدولة المصرية.

أما الرئيس اليوناني فقد ارتجل كلمة كانت رائعة في تدفق وانسياب أفكارها وعمقها ومقاصدها، مستغلا خبرته وبراعته كأستاذ للعلوم السياسية، وكانت أقرب ما تكون لدليل إرشادي للباحثين عن سعادة ووئام العالم المعاصر الذي تحكمه وتحركه مفاهيم الصراع والتناحر والاستعلاء، وتناول فيها كيف أن الدول الثلاث طورت ما سماه بـ"القوة الهادئة" متحصنين بزاد حضاري وثقافي يشجع على الحوار فيما بينهم، وأن التعاون الفكري ييسر تحقيق مصالح جميع الأطراف، وأن الحضارات الأصيلة لا تتصادم بتاتًا، بل يشغلها الإنسان فهو الغاية والقيمة العظمى التي لو كان حاضرًا في أذهان القوى الكبرى لما كان حال العالم على ما هو عليه اليوم من بؤس وشقاء وصراعات.

وفي المجمل، فإن ما تمخض وسيتمخض عن التقارب المصري - اليوناني - القبرصي يؤكد سلامة وصحة التوجه المصري ناحية إقامة شراكة عملية وإنسانية مع اليونان وقبرص، وهو ما رأيناه في رعاية الرئيس السيسي لمبادرة إحياء الجذور، التي طرحتها وزيرة الهجرة النشيطة نبيلة مكرم، وكان داعمًا وسندًا قويًا لها، وأسهمت لقاءاته واتصالاته الدائمة مع نظيريه اليوناني والقبرصي ـ اللذين حرصا على توجيه شكر خاص للوزيرة في كلمتيهما ـ في إعطائها زخمًا كبيرًا وحولها لتجربة ناجحة بكل المقاييس العلمية والموضوعية.

يتصل بهذا أن لدينا مسئولين يمتلكون أدوات ومهارات استطاعت تحويل ما خط على الورق لواقع تراه العين وتلمسه اليد، وليس سرابًا، وحقهم الإشادة بهم وبجهدهم الجبار الذي حافظ على مصالحنا العليا في منطقة البحر المتوسط المضطربة، ويتصدرهم الوزيرة نبيلة مكرم التي عملت في صمت واحترافية إبان الأشهر الماضية لاستضافة هذا الحدث المهم الذي سيفتح آفاقًا أوسع في العلاقات المصرية - اليونانية - القبرصية.

وإن كانت الوزيرة قد عبرت عن سعادتها بما وفرته لها القيادة السياسية من دعم، فإن سعادتنا بما تحقق أكبر؛ لأن الأمر لم يكن في استضافة 120 شخصًا من القبارصة واليونانيين أتوا من كل فج عميق، وإنما في إظهار أننا نعيش في وطن منفتح على الكل، ويرفض الانعزال والانغلاق والغلو بكل أشكاله ومظاهره، وأن التواصل الإنساني المبني على أسس سليمة كفيل بإذابة المصاعب والعراقيل التي تعترض وتدمر أحيانًا العلاقات الإقليمية والدولية.

وانتظروا الخير الكثير قريبًا من التقارب المصري - اليوناني - القبرصي.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الوحش الأفغاني

بين جبال أفغانستان الشاهقة يختبئ مقاتلو تنظيم داعش خراسان الذى أعلن مسئوليته الشهر الماضي عن العملية الإرهابية التي استهدفت مركزًا للتسويق قرب العاصمة