Close ad
12-4-2018 | 21:55

ظلم ما بعده ظلم، وعبث ما بعده عبث، تلك الدعوات الممجوجة والمغرضة التي تطلقها بين الحين والآخر شخصيات مصرية للتصالح مع جماعة الإخوان الإرهابية، ظلم لأنها بضاعة المفلسين، وتخلو من الحيثيات والمبررات الموضوعية الجديرة بمناقشتها وتقريب وجهات النظر بشأنها، بغية التوصل لأرضية مشتركة وتعميم الفوائد على كل الأطراف المنخرطة فيها.

ولن أعيد على مسامعكم مقولة إن المصالحة مع الجماعة الإرهابية فيها خيانة واستهانة بدماء شهدائنا الذين جادوا بأرواحهم وهم يتصدون ببسالة لجحافل التكفيريين والمتطرفين المتشربين بفكر الإخوان التكفيري، فنبع الإخوان يمثل الرافد الأم لحركات الإرهاب والتطرف الحديثة، وإنما سنطرح تساؤلات منطقية ستظهر أجوبتها قدر ما تحمله هذه الدعوات من خبث وطعنات غادرة في ظهر الوطن.

التساؤل الأول: ما طبيعة الخلاف مع الإخوان الذي يستدعي التصالح، وفتح صفحة جديدة معهم؟

الخلاف في الأصل وجود ومصيري، فهم رافضون للوطن ولا يعترفون به، ولا يشغلهم فيه سوى كرسي الحكم وصولجانه، وبنيت كل خططهم على تدجين الشعب المصري والدفع به إلى حظيرة جماعتهم، أو بتعبير أدق وأوضح "أخونة المصريين"، حتى يكونوا ملك يمينهم وتوجيههم بدون نقاش حيثما شاءوا ووقتما شاءوا.

إذن ما الفائدة المرجوة من مخاطبة ود طرف غير قابل بالأساس لوطنه الذي يفضل عليه تراب قطر وتركيا، ويعتبره أغلى عنده من تراب بلاده؟ الطرح - التصالح - في حد ذاته يعد نوعًا من العبث وإهدار الوقت والطاقة فيما لا عائد منه.

فهم لا يقفون على نفس الأرضية الوطنية، ويحسبون أنهم في مرتبة أعلى وأفضل من بقية المصريين الذين لفظوهم وثاروا عليهم، بعدما رأوا بأعينهم ما فعلوه فيهم وبالبلد خلال عام كبيس قضوه في سدة الحكم.

التساؤل الثاني: هل ستقود المصالحة المزعومة لإحداث تغيير في فكر الإخوان وتوجهاتهم؟

الشواهد والسوابق تؤكد أنهم لم ولن يتغيروا، بل يقاومون التغيير، فلم نر منهم استعدادًا - بعد الثلاثين من يونيو - لمراجعة أفكارهم السوداء العدمية؛ التي تبرر الإرهاب وحمل السلاح ضد الدولة وجيشها وشرطتها، وقتل الآمنين ومهاجمة دور العبادة الإسلامية والمسيحية، فهم قوة تدمير تسير على قدمين، وعلى سبيل التذكير راجع عدد ما شكلوه من خلايا إرهابية، منذ إسقاط الشعب حكمهم؛ لبيان تمسكهم بالعنف والإرهاب، فهم ينتظرون أن يتغير المصريون ويسيروا خلفهم وليس العكس.

 فهل ضبطتم قيادة بالجماعة الإرهابية تعترف بأنها كانت خاطئة وأجرمت في حق الشعب المصري، وطلبت الصفح والغفران منه على جرائمها البشعة في حقه؟

وكان حريًا بدعاة المصالحة قراءة التاريخ جيدًا؛ ليعرفوا أنه لا عهد ولا أمان للإخوان الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، ولا يهمهم سوى مصلحة جماعتهم، وانظروا إلى اشتباكات وخناقات قياداتهم في الخارج على الأموال والتنعم بالرفاهية الفائقة ورغد العيش، بينما يحدثون قواعد الجماعة عن الزهد وإنكار الذات، والصبر على البلاء والمحن… إلخ.

التساؤل الثالث: هل تقبل أي دولة من دول العالم التصالح مع جماعة تسعى لإحداث ما تقدر عليه من دمار وخراب، ويشكل وجودها تهديدًا بالغًا لأمن واستقرار مجتمعها؟

أسمعكم تقولون بصوت عالٍ لا وألف لا، ولا لتصالح الإيطاليين مع الفاشيين، والألمان مع النازيين، فالمصالحة مع مثل هذه القوى الباغية والمدمرة توحي بأن الدولة ضعيفة، وغير قادرة على وقفها عند حدها، وتلقينها دروسًا وردعها حفاظًا على تماسك المجتمع ووحدته، فالإخوان من الجماعات التي تستمتع بشق الصف الاجتماعي، وإثارة التوتر فيه؛ لاستغلاله بما يفيدها ويرجح كفتها، ولهم سوابق أكثر من أن تحصى تأكيدًا لذلك، أليسوا هم من هللوا وكبروا فور سماعهم من منصة الإرهاب في "اعتصام رابعة" اقتراب قطع حربية أمريكية من المياه الإقليمية المصرية، وكانوا يبعثون بالرسائل للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما؛ لحثه على التدخل العسكري؛ لإعادة دميتهم محمد مرسي للرئاسة.

التساؤل الرابع: كم يشكل الإخوان من مجموع الشعب المصري؟

في أحسن التقديرات لا يتعدى عددهم - ومعهم المتعاطفون - عدة آلاف من بين ما يربو على الـ ١٠٠ مليون نسمة، والعقل الراجح المتزن يوصي بأن يسعى هؤلاء للاندماج والذوبان بالمجتمع، وليس الدعوة لكي تراجع الأغلبية الكاسحة مواقفها الرافضة والنابذة للجماعة الإرهابية، والجلوس معها للاتفاق على إجراءات وشروط المصالحة.

أينسى دعاة المصالحة أن الإخوان رفضوا - قبل وبعد الثلاثين من يونيو - الانضمام للصف الوطني، ومؤازرة قوى المجتمع الأخرى التي توافقت على نبذ المصالح الذاتية الضيقة، والعبور بالوطن المرحلة الفاصلة التي كان يمر بها، ولم يتركوا بابًا للأذى إلا طرقوه، عقابًا للمصريين على الإطاحة بهم من السلطة، ولجأوا إلى ألاعيب كثيرة لإعاقة التنمية الاقتصادية، والتأثير على حركة السياحة بتنفيذهم عمليات إرهابية عديدة؛ لإظهار البلاد بأنها غير آمنة؟!

 وعلى دعاة المصالحة الشعور بالخجل، وأن يستحوا من دعوتهم المشبوهة، التي ليس لها من تفسير سوى أنها محاولة لغسل أوزار الجماعة الإرهابية، وإعادتها قسرًا للمشهد السياسي، متناسين أنها ملطخة بالخزي والعار.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الوحش الأفغاني

بين جبال أفغانستان الشاهقة يختبئ مقاتلو تنظيم داعش خراسان الذى أعلن مسئوليته الشهر الماضي عن العملية الإرهابية التي استهدفت مركزًا للتسويق قرب العاصمة