Close ad

خالد وصيف يكتب: لدينا مشكلة مياه

27-5-2016 | 17:58
أدمى قلبي مشهد الفلاح البسيط وهو جالس وسط أرضه المتشققة من طول انتظار مياه الري، مشهد جسدته السينما القديمة قبل بناء السد العالي، وظننا أنه ذهب إلى غير رجعة، لكنه عاد بقسوة نتيجة أسباب تجمعت كلها في سوء حظ عجيب، فمنابع النيل الإثيوبية تواجه موجة جفاف أثرت على الإيراد المتدفق إلى بحيرة ناصر، وهى موجة قد تستمر لسنوات أخرى مقبلة، وليس لها علاقة بعملية بناء سد النهضة التى لم تكتمل بعد، ولم يبدأ تخزين المياه عنده، لتضيف مزيدًا من الملح على الجروح.
موضوعات مقترحة


كما شجع ارتفاع أسعار الأرز فى شهر مايو على التوسع في زراعته؛ حيث إن موسم الزراعة يبدأ هذه الأيام، وليضرب كثير من المزارعين بالقرارات الوزارية المحددة لأماكن ومساحات الزراعة عرض الحائط، طالما هناك إغراء بربح كبير يتسع حتى لسداد الغرامات المقررة على المساحات المخالفة، والتي لا تتجاوز 1500 جنيه للفدان الواحد، بينما يتوقع أن يرمي نفس الفدان محصولًا قدره 3 أطنان أرز تعطي صافي ربح لايقل عن عشرة آلاف جنيه.

والمتابع لكل التصريحات الصادرة عن وزارة الموارد المائية والري، وكبار مسئوليها الفنيين، ووزيرها أيضًا، يجدها كلها تصب في اتجاه متحفظ، ولا أقول متشائمًا من ناحية توافر موارد مائية تغطي الاستخدامات الحالية، وهذا أمر في حد ذاته ليس سيئًا، فالاعتراف بوجود مشكلة هو قطع لنصف الطريق نحو حلها، بينما الإنكار لها، أو دحرجتها للأمام، فهو يعني أننا سنواجه في الغد كارثة مائية طالما لم نتعامل مع أزمة اليوم بالاحترام الكامل لها، فقد ظللنا سنوات طويلة لا نسمع كلمة واحدة من أى من مسئولينا عن مشكلة مياه مقبلة، حيث كان التوجه وقتها تجنب إحداث قلق فى الشارع المصري، كما كان مخزون البحيرة يستخدم، ضمن أمور أخرى، لكسب أصوات الناخبين في المناطق الريفية، فيتم ملو الترع بالمياه قبل الانتخابات، حتى تمتلئ الصناديق بالأصوات.

فهناك حقائق لا مجال لإنكارها، ولا سبيل لتجاهلها، أولا: نحن نمتلك موارد مائية محدودة جدًا، إجمالي تلك الموارد من كل المصادر المتاحة سواء مياه سطحية من بحيرة ناصر، أو ناتجة من تحلية مياه البحر، أو من إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، كلها لاتتعدى 80 مليار متر مكعب، هذه الحقيقة الأولى تذهب بنا إلى حقيقة أخرى، وهي أن استخداماتنا الحالية للمياه يجب أن تشهد تغييرات هيكلية، حتى نستطيع التكيف مع تلك الكمية المحدودة من المياه، والمرشحة لنقص أكبر خلال السنوات العشر المقبلة.

هذا التغيير الهيكلي يجب أن يطال أولا القطاع الزراعي الذي يستهلك أكثر من خمسين مليار متر من المياه سنويا، نحو 85% من إجمالى مواردنا المائية، فمازالت أساليب الزراعة التقليدية التي تعتمد على الغمر هي نفسها منذ العهد الفرعوني، وحان الوقت للبدء الجدي في تطويرها لتستهلك مياهًا أقل بنسبة لا تقل عن 10% من الاستخدامات الحالية، مع وجوب إجراء تقييم موضوعي لكل تجارب تطوير الري التي بدأت منذ أكثر من ثلاثين عامًا تحت إشراف وزارتي الزراعة والري، لكن نتائجها ظلت محدودة، خصوصًا مع رفض كثير من المزارعين أساليب الري الحديثة، وتفضيلهم أساليب الري بالغمر.

ويرتبط مع تلك الإجراءات في الخيط نفسه دعم تكنولوجيا تسوية الأراضي بالليزر الذي يجعلها أكثر استواء، وبالتالي أقل استهلاكًا للمياه، وهو ما يتطلب تنسيقًا أكبر بين وزارتي الزراعة والري.

أعرف أن كثيرًا من القراء ترتسم علامة التعجب على وجوههم بعد قراءة المقال، فمن كان يظن أن بلد النيل سيعاني من نقص المياه؛ لذلك وضعتها مع العنوان، لنبدأ بعد التعجب في طرح حروف استفهام أكثر إيجابية مثل كيف، ومتى، وأين.. وهى حروف مهمة للتعامل مع تلك المشكلة.
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة