هناك من يتكلمون عن تطبيق القانون في واقعة قرية الكرم المخزية بمركز أبو قرقاص دون أن يستوعبوا طبيعة المناطق الاجتماعية، فظنوا من وراء زجاج مصنفر، أن الحلول قد تأتى بمجرد دعوة لتطبيق القانون وتعاملت مع الجلسات العرفية على أنها مناسبات لتقبيل الرؤوس وتطييب الخواطر.
طبعًا تطبيق القانون شيء جوهرى وأساسي لفرض هيبة الدولة لكن الذين أخذتهم الحمية بترديد "القانون القانون" لايدركون ولا يعرفون ولا يستوعبون، أن هناك فرقًا بين جريمة ترتكب في الزمالك أو الدقي أو إمبابة مثلاً، وبين جريمة ترتكب في نجع أو كفر أو عزبة، ولو تطابقت الجريمتان في الشكل والوصف!.
ففي مثل مجتمعاتنا في الصعيد، البراني أو الجواني، الأعراف فوق تطبيق هذا القانون الذي يطالب بتطبيقه البعض ممن لا يعرفون أن أحكام العرف أشد وطأة وأشد تنكيلًا لو طبقت وهذا هو الضامن المتين لتحقيق الأمن والأمان بين أهل القرى، أما القانون فحباله ممتدة ومعقدة وضعيفة ما لم تجد تعضيدًا من العرف وقد يتحول السجين -بالقانون- إلى بطل شعبي رغم إدانته رغم أنه صدر ضده حكم قضائي وفي تراثنا الشعبي كم من مجرمين صاروا أبطالًا، لكن الذي يدينه العرف لا يصبح إلا مذموما مخذولا من الناس كافة.
فالأمن في القري سواء كانت بالوجه البحري أم القبلي، لن يستطيع مهما بلغت إمكانياته، السيطرة على الأوضاع فيها لو اندلعت أية أعمال عنف سواء طائفية أو قبلية أو غيرها، بل لن يستطيع إنفاذ أحكام القانون إلا بالعرف الذي هو أقوى من أي سلطة بشرط إبعاد المتصيدين في الماء العكر ومثيري الفتنة.
وأحكام العرف تقتضي على سبيل المثال لا الحصر:
أولًا: تهجير أهل المعتدين مدة عامين على الأقل.
ثانيًا: غرامة فادحة من أملاكهم لصالح المعتدى عليهم.
ثالثًا: ترك المتهمين وعدم السعي لإحضار محامين أقوياء عند المحاكمة الجنائية.
رابعًا: غرامة فادحة لصالح القرية عامة.
خامسًا: إهانة المعتدين علنا في حضور كبار القرية والمعتدى عليهم.
سادسًا: استكتاب أولياء أمور وكبار عائلات المعتدين شيكات وإيصالات أمانة بمبالغ باهظة تودع عند أحد ذوي الثقة في القرية تستخدم عند مخافة المتفق عليه.
وسابعا وثامناوعاشرا ولا حصر للعقوبات الرادعة التى تلحق العار بالمعتدى أو من يدافع عنه!.
أعلم أن هذا الكلام لن يعجب بعض السادة المثقفين والحقوقيين الذين يدعون إعلاءهم دولة القانون، لأن كثيرين منهم يتكسبون من كل الأطراف بمثل هذه الدعاوى التى لن تزيد عندهم عن مناسبة للصراخ على بضاعاتهم في سوق يروجون فيها للبضاعة ولو على حساب الضحايا.
سوى ذلك فالقانون لن يقدم شيئًا وقد يحصل المتهمون على البراءة لأى أسباب إجرائية أو موضوعية، خاصة أن قضايا الجرائم الجماعية يسهل فيها الحصول على البراءة لشيوع التهمةأو تردد الشهود أو غبر ذلك وهنا سيضيع حق سعاد وكل سعاد، فما أيسر الالتفاف على مواد وإجراءات قانون.
لكن يبقى لإنفاذ قوة العرف، أن يكون القائمون على الأمور في كل قرية، من المخلصين الحريصين على قيم وأخلاقيات المجتمع وربما كانت العقبة الوحيدة، هي غياب أو تغييب مثل هؤلاء عن المشهد، بينما يتصدر المدعون تحت جنح الظلام، إدارة الأمور عند الحدث العصيب.
فرجائي ألا ننعق بما لا نسمعه أو نطنطن بما لا نفهمه ولا نعي به، فطبقوا القانون أو طالبوا بتطبيقه كيف شئتم ولكن لا تضيعوا بمزايداتكم وجهلكم بطبائع البلاد والعباد، حق سيدة ظلمت اسمها سعاد!.