Close ad

حدود داخل الحدود

2-5-2016 | 01:17
على الرغم من برودة الجو الشديدة في مملكة ليسوتو، والتي وصلت إلى حد التجمد (10 درجات تحت الصفر) خلال شهر يونيو، فإن سخونة المناقشات التي دارت خلال اجتماعات "منتدى الإعلام الإفريقي"، والتى استمرت ثلاثة أيام كشفت عن وجود فجوة كبيرة بين ما يتم طرحه في اجتماعات القارة الرسمية، سواء داخل أروقة الاتحاد الإفريقي، أو الأمم المتحدة بشأن قضايا القارة السمراء، وبين الواقع الفعلي لتلك القضايا وتنفيذها على أرض الواقع، وأيضًا كشفت تلك المناقشات عن وجود فجوة كبيرة بين الإعلام الإفريقي، وبين المسئولين في القارة، سواء من ناحية التواصل، أو من ناحية توافق الطرح الإعلامي مع رؤية هؤلاء المسئولين.

ووصلت المناقشات إلى ذروتها عندما تم طرح ما يسمى بضرورة وضع إستراتيجية للإعلام الإفريقي تحدد كيفية تعامله مع قضايا القارة، حيث اختلطت الأوراق، وتداخلت الآراء، وبدا واضحًا للجميع -وبعد أكثر من 7 ساعات من المناقشات تخللتها استراحتان- صعوبة الوصول إلى تلك الإستراتيجية؛ بسبب تلك الخلافات في الآراء بشأنها، ولكن تم التوافق على أن تكون هناك "خارطة طريق" تحمل ما يسمى "إعلان ماسيرو"، نسبة إلى عاصمة ليسوتو المقام بها الاجتماعات.

وبالفعل تم التوافق على الإعلان الذي جاء قويًا معبرًا عن المناقشات، ولكنه جاء مثل توصيات المؤتمرات والندوات الإفريقية الأخرى، وهو ما تحدثت حوله مطولًا مع صديقى العزيز خالد دهب، والذي كان يشغل موقع مدير الإعلام في البرلمان الإفريقي في ذلك الوقت، وهو الآن يشغل موقع نائب المتحدث الإعلامي للأمم المتحدة بالعراق، وأيضًا مع حبيبة الشيخ التي كانت تشغل منصب مدير الإعلام والاتصال فى الاتحاد الإفريقى، ومع عدد كبير من المشاركين في المناقشات، ولكن في النهاية، فإن المؤتمرات واللقاءات لابد أن تنتهي، ولكن المهم هو متابعة تلك التوصيات، التي أعتقد أنها لم تخرج من أدراج المسئولين حتى اليوم.

وبعد انتهاء المناقشات أتيحت لي الفرصة للتجوال في شوارع العاصمة ماسيرو، حيث اكتشفت أنها تمثل نموذجًا للشوارع الإفريقية الفقيرة، والتى تحتاج إلى سنوات من العمل، ولكن الأهم هو وجود إمكانات مادية لتحريك آلة العمل التي توقفت في العديد من الدول الإفريقية، وليس في ليسوتو فقط، حيث يمكنك أن تكتشف -وبسهولة كبيرة- نسب الفقر المرتفعة في الدولة الصغيرة، خاصة عندما وصلت إلى نقطة الحدود الفاصلة بين ليسوتو وجنوب إفريقيا، التى من المفترض أن تكون من المناطق الغنية بالحركة والتجارة، ولكن الواقع أدهشني تمامًا.

فلا تجد سوى مجموعة أكشاك صغيرة للغاية غير مجهزة، وإنما يفترش معظم الباعة الأرض أمام تلك الأكشاك لبيع منتجاتهم اليدوية المتميزة، وبأسعار زهيدة للغاية لا تتناسب مع جودتها وجمالها، ولكن الفقر والحاجة الشديدة، وعدم وجود حركة تجارة قوية مع جنوب إفريقيا كلها عوامل تدفع الأهالي إلى البيع بأرخص الأسعار؛ للحصول على ما يسد جزء بسيط من احتياجاتهم اليومية.

ولفت نظري وجود بائع كبير في السن يتجاوز عمره السبعين عامًا، ولكنه يقف ويحمل منتجاته اليدوية بكل قوة وعزيمة وإصرار على بيعها، تحدثت معه عن حياته وطبيعة عمله فرد بلغة إنجليزية سليمة قائلًا: "إن الأعمال اليدوية هي مهنتي منذ سنوات طويلة ورثتها عن أجدادي، وأعمل بها منذ سنوات بعيدة لا أعرف عددها، ولكنني أعشقها تمامًا، فهي حياتي وليس لي عمل غيرها، على الرغم من الظروف المعيشية الصعبة، حيث نعاني كثيرًا من عدم الإقبال على المنتجات اليدوية، في ظل عدم وجود سياح هنا، وإنما نعتمد بشكل أساسى على الشاحنات التي تعبر إلى جنوب إفريقيا".

وقال لى البائع العجوز، والذى شعرت بأنه وجد ضالته في الحديث معي برغم أننا جميعا أفارقة فإن هناك حدودًا تفصلنا عن بعضنا بعضًا، وبرغم أننا محاطون بحدود جنوب إفريقيا من كل الاتجاهات، فإننا نشعر بأن هناك حدودًا داخل الحدود، وهناك تجاهل لنا من أبناء قارتنا.

وشعرت بأن هذا البائع يحمل بين جنباته هموم ومأسي القارة السمراء، وأنه يتجرع مرارة نشعر بها جميعًا كأفارقة، عندما نتحدث عن الحدود التى تفصلنا، والعقبات المصطنعة التي تعوق تكاملنا، ووجدت به نموذجًا لنا جميعًا، فنحن نعيش داخل حدود القارة، ولكن هناك حدودًا داخل الحدود لم ننجح في التخلص منها، وهو ما اكتشفته خلال رحلتي إلى مملكة ليسوتو .
[email protected]
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: