أحالت لجنة التحقيق الدولية في حادث الطائرة الروسية التي سقطت بمنطقة الحسنة في أكتوبر الماضي، تقرير جهات التحقيق الروسية إلى النائب العام؛ لما تضمنه من وجود شبهة جنائية.. وهذا لا يعني مطلقًا إغلاق ملف القضية، أو التأكد من وجود عامل تخريبي أدى لسقوط الطائرة التي راح ضحيتها ٢٢٤ راكبًا.
هناك شقان في حوادث الطائرات، جانب فني تحققه اللجنة الفنية الدولية، وجانب جنائي تحققه الجهات القضائية التى تواجدت في موقع الحادث منذ اللحظة الأولى للعثور على الحطام، لتقوم بالمعاينة، وتتحفظ على شرائط المطار منذ لحظة دخول ركابها لحين إقلاعها، وأسلوب التفتيش للركاب والحقائب، وبرج المراقبة الجوية الذي تعامل مع كابتن الطائرة، وتحقق مع كل من تعامل مع الطائرة.
ولذلك ستستمر اللجنة الفنية في ممارسة عملها، بينما ستحقق النيابة فيما قدمه الجانب الروسي من تقرير يفيد بوجود شبهة جنائية في الحادث أدت لسقوط الطائرة.
الكرة الآن في ملعب النيابة العامة، لدراسة التقرير الروسي، وهل اعتمد على أدلة وبراهين على وجود عامل تخريبي أم مجرد شكوك مرسلة فقط، كما حدث منذ بداية الحادث من أقوال بعض الجهات الغربية التي أرادت الإضرار بالعلاقات المصرية - الروسية.
إذا كانت هناك بالفعل أدلة قوية، تبدأ جهات التحقيق المصرية في البحث عن الجناة، وتقديم تقرير رسمي من النيابة يفيد بوقوع عامل تخريبي وراء الحادث، كذلك يحق للنيابة تفنيد التقرير الروسي إذا لم يعتمد على أدلة وبراهين.
في الوقت نفسه ارتكبت الحكومة سلسلة من الأخطاء الفنية، والإعلامية والأمنية، في التعامل مع الحادث، حيث غلّبت الجانب الدبلوماسي مع روسيا على الحرفية في التعامل مع حادث، مما قد يؤدى إلى عواقب وخيمة وللأسف هذا ما حدث!
رغم التعامل المثالي في بداية الحادث من جانب القوات المسلحة المصرية، فى تحقيق أرقام قياسية في العثور على موقع سقوط الطائرة والحطام، فيما يقرب من ساعتين فقط، وبقايا الجثامين والأشلاء والصندوقين الأسودين مقدمة نموذج يحتذى به للعالم كله في التعامل مع أزمة طارئة، كما قدمت للجنة التحقيق كافة المعطيات لممارسة دورها سريعًا؛ وهى الحطام والصندوقين وأشلاء الجثامين والحقائب، إلا أنه مع نهاية دور الجيش وتسلم الحكومة الملف، بدأت الأخطاء من جانب المهندس شريف إسماعيل، الذي وقع في أخطاء قاتلة سنوردها في السطور التالية:
أولًا: لم يتم التحفظ على أشلاء الضحايا والحقائب لتحليلها، والتأكد من عدم وجود أى آثار للبارود أو مواد متفجرة، في ظل وجود اللجنة المشكلة من عدة دول؛ ولذلك لن نستطيع الآن الجزم والرد على أي مزاعم في التقرير الروسي بوجود آثار لمواد متفجرة في الحقائب، كما أنه لم يتم تحليل أشلاء طاقم القيادة؛ لمعرفة إذا ما كان هناك أي آثار لمواد مخدرة أو كحولية، برغم أن هذا إجراء روتيني يتم في كافة الحوادث المماثلة.
ثانيًا: لم نستغل وجود معدات حديثة مع الجانب الروسي لتحليل الأجزاء التي عثر عليها من الحطام، فشكل الحطام يحدد إذا كانت الطائرة قد تعرضت لعامل تخريبي خارجي بصاروخ، أو داخلي عبر وجود متفجرات !
أتذكر أنه في حادث طائرة "فلاش" التابعة لإحدى شركات الطيران المصرية الخاصة، والتي سقطت عقب إقلاعها بدقائق، كان الهدف الأول لوزير الطيران في ذلك الحين -الفريق أحمد شفيق- التأكد من عدم وجود أي عامل تخريبي، وذلك ما تم بالفعل إثباته في الأيام الأولى، وعندما سألته للاستفادة بخبرته؟ قال أهم شيء في تحقيق حادث على أرضك إثبات عدم وجود أي عامل تخريبي، وكافة الأسباب الأخرى غير مهمة، سواء خطأ الطيار أو عيب فني أو بسبب الطقس!!.
ثالثًا: التعتيم الإعلامي، وعدم وجود متحدث رسمي للجنة لإصدار بيان مع الخطوات المنتهية والخطوات المقبلة للجنة، وإعلان ما توصلوا إليه كل فترة، ولم تتم تلك الخطوة للأسف بعد تسريب كل ما يدور من بعض أعضاء اللجنة للصحف والوكالات الأجنبية، ليعقد بعدها رئيس اللجنة مؤتمرًا هزيلًا، زاده ضعفًا حضوره منفردًا دون أى عضو من أعضاء اللجنة الدولية، ما فسره إعلاميو وكالات الأنباء بأنه يعبر عن وجهة النظر المصرية فقط!!
ناهيك عن التصريح الهزلي لوزير السياحة السابق هشام زعزوع "عرفنا فين الخرم وسنعمل على سده" مما جعل رواد المواقع الاجتماعية يطلقون "وزير سد الخرم"، وزادت الأكمة بطلبه الاستعانة بشركة استشارية بريطانية لأمن المطارات؛ لإجراء مراجعة على الثغرات الأمنية في المطارات المصرية، مما يزيد الاتهام بغياب عنصر الأمان في مطار شرم الشيخ!.
رابعًا: لم نضع في الاعتبار أن كل الدول المشاركة في التحقيق لمصلحتها إثبات العامل الإرهابي لإخلاء مسئوليتها!
إيرباص الشركة المصنعة هدفها الرئيسي إثبات عدم وجود أي عيب في التصنيع أو الصيانة، وأيرلندا -الدولة المسجل بها الطائرة- هدفها إثبات بأن هناك رقابة على صيانة وصلاحية الطائرات المسجلة بها، أما روسيا فاستغلت الحادث أفضل استغلال بالتوغل في سوريا، وضرب "داعش" ومساندة بشار، بخلاف محاولتها إخلاء مسئوليتها في إقلاع طائرات متهالكة.
خامسًا: لم تطالب الجهات الأمنية المصرية، بملف كامل عن الصحيفة الجنائية لركاب الطائرة الروسية، الذين قدموا على الرحلة نفسها، لماذا نستبعد وضع أي متفجرات أو عبوات ناسفة، عند إقلاع الطائرة من الأراضي الروسية، أو عن طريق أحد الركاب أو الفنيين؟! خاصة أن الطائرة لا يتم فحصها أو تفتيشها في شرم الشيخ، ووفقًا للتكنولوجيا الحديثة من الممكن وضع متفجرات وضبطها بتوقيت محدد أو عند ارتفاع محدد أو التفجير عن بعد.
وأخيرًا الجهات القضائية هي من تحدد هل الطائرة سقطت أو تم إسقاطها؟! هل الأدلة الروسية تعتمد فقط على تحليل الحقائب التي بحوزتها أم على الثانية الأخيرة من الصندوق الأسود للتسجيل الصوتي لما يدور داخل الكابينة والتى تضمنت حدوث صوت فرقعة؟! أم على تحليل أجزاء الحطام والتأكد من وجود آثار لعامل تخريبى؟! أم تقريرها يعتم فقط على اتهامات مرسلة لا تستند لأدلة؟! وسيظل السؤال الحائر من أسقط الطائرة، حتى نجد الإجابة من النائب العام؟!.