حملت الإطاحة بالمستشار أحمد الزند، من منصب وزير العدل، عدة رسائل بين السطور، لم تكن معلنة، خاصة أنها موجهة لفئات ذات توجهات متعددة، وكان الإعلان عنها بشكل تفصيلي يمكن أن يتسبب في أزمة جديدة، ينأى النظام عن نفسه أن يكون طرفًا فيها.
الغالبية أدركت بما لا يدع مجالًا للشك، أن النظام والحكومة، أطاحا بالزند بسبب تطاوله على النبي محمد "صلي الله عليه وسلم"، لكن الإقالة في حد ذاتها تحمل رسائل عديدة، للداخل والخارج، استطاع النظام من خلالها أن يحقق عدّة مكاسب، كان بحاجة إليها في هذا التوقيت.
بخلاف ما ساقه البعض من أسباب تتعلق بالإقالة، وتوقيتها، على غرار "إحنا الأسياد والباقي هم العبيد"، وغيرها من التصريحات التي تحمل من العنصرية الفجّة، ما يكفي لرحيل حكومات بأكملها، تظل هناك أسباب خفيّة، يمكن أن يقرأها البعض من بين السطور والأحداث، بعد قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بتوجيه رئيس الحكومة بإقالته.
العبارات التي كانت أبشع من وصف "الأسياد"، و"استمرار الزحف المقدس للقضاة"، تمثلت في أن هذا الرجل لم يكف عن التصريحات التي تحمل بين طياتها أن النظام المصري يلعب بالأحكام القضائية مثل "البيضة والحجر"، ويكمم الأفواه بإشارة من أصابعه، ويعتقل الناس بالظلم، ويحبس الصحفيين بالإشارة، ويسجن الحريات وفقًا لهواه، بل إن تصريحاته تحمل تأكيدًا -ليس في محله- بأن الأحكام ضد الإخوان مسيسة، وأن النظام يفعل بالقضاء ما يشاء.
الكارثة الأكبر، أن مثل هذه التلميحات جاءت على لسان وزير العدل، وهو الرجل الذي يمثل الحكومة، أو بمعنى أدق يمثل النظام في مؤسسة العدالة، ويتحدث بطريقة توحي بأنه يحرّك القضاء في الاتجاه الذي يريده، فهو الذي قال "هاحبس الصحفيين"، وقال "هاحبس كل اللي يجيب سيرة أهل بيتي بسوء"، و"هاحبس كل من يهاجم القضاء"، "سأضعهم في السجون".
بعد هذه التصريحات المريبة من هذا الرجل، الذي يدّعي أنه "خارق" في حبس الجميع، من حق الجميع أن يسأل: من هذا الزند؟! هل هو من يقرر؟! هل هو من يحكم؟! هل فعلا يوجه القضاء؟! هل هو يضع في السجون ويُخرج من السجون؟! هل هو يحكم بالإعدام ويمنح البراءة؟! هل أصبح القضاء لعبة بيديه؟! هل الأحكام موجودة عنده يصدرها على من يشاء ووقتما يشاء؟! هل القضاء لعبة في يد وزير السلطة التنفيذية؟! هل القضاء يحكم بتوجيهات وزير النظام؟! هل وزير العدل هو من يحكم فعليّا؟!
قطعًا، كل هذه التساؤلات وضعها القائمون على السلطة في الدولة، أمامهم قبل أن يتخذوا قرار الإقصاء لهذا الرجل، الذي يظهر بكبريائه أنه يدير دفة العدالة من مكتبه، ويحبس من يريد، حتى لو كان النبي محمد "صلى الله عليه وسلم".
لذلك، كانت إساءته للنبي محمد، هي السبب الظاهر الذي قسم ظهره نصفين دون عودة، بينما تظل الأسباب الحقيقية وغير المعلنة، كامنة في رأس "الكبار"، حيث ضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد، ووجهوا عدة رسائل منها:
- إرضاء الجماهير الغاضبة بشراسة على إهانة النبي "عليه الصلاة والسلام".
- النظام يسمع ويستجيب حتى لو على حساب التضحية بأحد رجاله الأقوياء، ولا يعاند توجهات الأغلبية.
- نفي اتهامات الإخوان وأنصارهم بأن النظام ضد كل ما هو ديني وإسلامي.
- تحذير لبعض القضاة الذين رأوا أنهم فوق الدولة وأصبحوا فعلًا الأسياد.
- تحذير نادي القضاة الذي اعتقد أنه يمكن أن يلوي ذراع النظام بالحشد.
- مخاطبة الخارج بأن النظام المصري لا يتدخل في عمل القضاء، أو يوجه الأحكام.
- نفي شائعات أن النظام هو من يوجه القضاء للانتقام من جماعة الإخوان وقادتها.
- نفي تهم تدخل النظام لتكميم أفواه الصحافة مثلما يردد "أمين عام الأمم المتحدة" كل فترة.
لا شك أن إقالة الزند قطعت الطريق على المنظمات الدولية التي تشكك في استقلال أحكام القضاء، خاصة البرلمان الأوروبي، والاتحاد الأوروبي، والكونجرس الأمريكي، بعد أن تحدث وزير العدل المقال (رجل النظام) عن قدرته في إصدار الأحكام والحبس ضد كل من يعارضه أو يواجه الدولة بالقول أو بالفعل، وهو الحديث الذي كاد يتسبب في ورطة فعلية للنظام، إذا كان صمت ورضي بما قاله هذا الزند.
الرسائل من الإطاحة متعددة، لكن تبقى الرسالة الأولى التي ظهرت للداخل والخارج. هي "إلا رسول الله".