عزيزي سيادة المستشار أحمد الزند "وزير العدل لقد انفلت لسانك بما لا تطاوعني يدي لكتابته ولا عذر لك باستغفار أو اعتذار، فقد يقبل الله استغفارك وقد يقبل بعض الناس اعتذارك لما بدر منك في ساعة غضب.
لكن ها هي ساعة الغضب تسحبك إلى ما رأيته بعينيك ولمسته بيديك، فالغضب يا سيدي هو الذي يختبر الإنسان فيه مدى قوته ومقدار تحكمه في كلماته وأنت الجالس على كرسي وزير عدل مصر، لا ينبغى لك أن يتفلت من لسانك ما تقضي به عند الخصومة، ها أنت صرت مثل خصومك، لا تقدر مسئولية الكلمة في حال الغضب، فهذا الغضب الذي استولى عليك هو اختبار الحكم فيك، فحسبك هذا وكفى منك ما لوثت به أوراق قضيتك، فخرج منك ما لم تحتسب له حسابا.
"لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك" أظنك تعرف جيدًا هذا المثل الشعبي وقد تكون عانيت مما افتقدناه في مواقف كثيرة في حياتنا العامة والخاصة، فكثر الانفلات وزادت مساحات الفجور وقلة الحياء وانعدام التقدير على كل المستويات.
وكما قيل " مقتل الرجل بين فكيه " وقبل كل ذلك هناك حديث لكوكب البرية النبي محمد بن عبد الله "صلوات الله وسلامه عليه" "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم".
ولعلك أول من يعلم أن القاضي الحق هو من يملك نفسه عند غضبه فلا ينبغى لقاض أن تتملكه سورة الغضب وإلا نزل من منصة القضاء حاكما، ليهبط ساحته محاكما، ويمضي إلى قفص الاتهام محكوما عليه بالإدانة.
لن أطالبك باعتذار ولا استقاله، فاجعل اعتذارك بيدك وحدك ممهورًا باستقالتك من تلقاء نفسك، فما كان لقاض أن يقول بما يندم عليه ولو سارعت باستغفار أو اعتذار.
كلاهما ليس بيدي، لكنهما بيد غيري، فاجعلها أنت بيدك أنت.
وعندما يكون الإنسان مسئولًا وجبت مراقبته لما يجري على لسانه، فكل كلمة لها حسابها، وتزيد المراقبة إن كان قاضيا وتزيد أكثر وأكثر إذا تبوأ مكانة عليا بين رجال القضاء، فميزان العدل لا يستقيم مع لسان منفلت وها نحن في مصر منذ سنين عددا، قد فقدنا القدرة على ضبط اللسان، فصار الانفعال غير محسوب العواقب، سمة الحوار فيما بين الناس في خصوماتهم، فانهارت الأخلاقيات وتوارت القيم.
فأهم ما تفقده الأمم من أخلاقها، هو "أخلاقيات الخصومة" فهي معيار الضبط الأخلاقي وأنت لن تكون عادلًا مع صديقك حتى تكون عادلًا مع عدوك، فهذا معيار التماسك والمسئولية وهذه أبسط أخلاقيات الفرسان.
لكننا الآن تحكم مجتمعاتنا السياسية والإعلامية والثقافية، منظومة أخلاقيات الصبيان لا أخلاقيات الفرسان، فصرنا ما بين التأليه والشيطنة نحكم بها على أصدقائنا وخصومنا وهما أسوأ ما يكون من المعايير التى تقضي بها في حكمك على الأشخاص والمواقف.