Close ad

مهنة "على الهوا"..

6-3-2021 | 12:11

شأنها شأن الكثير من المهن والأنشطة والقطاعات.. تتعرض مهنة الصحافة إلى عواصف وأعاصير عاتية تهز أركانها وتكاد تقتلع ما تبقى من ثوابتها وأسسها.. فإذا كانت الأنشطة والمهن والقطاعات تواجه تداعيات التحولات الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا "Covid - 19"، فإن مهنة الصحافة تتعرض لتحولات من كل الاتجاهات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمهنية؛ بل والأخلاقية والسلوكية..

فهي في آن واحد، تتعرض لعصف ذهني عشوائي ومركز.. متواصل ومتقطع، عصف لا تعرف مصدره، أو توقيته أو اتجاهه، وكأنها مهنة "على الهوا" أو بالأحرى في مهب الريح، فهل بإمكان أصحابها الإنقاذ والوصول برسالتهم المهنية إلى بر الأمان خلال جمعيتهم العمومية المرتقبة في 19 مارس الحالي 2021..

التحديات أمام المهنة، لا تتوقف عند دائرة غروب وانسلاخ الصحافة التقليدية "الورقية"، أمام تعاقب وسيطرة الصحافة الإلكترونية وسطوة نظيرتها الرقمية الحديثة، بل تتعاظم، وهناك تحدٍ آخر يهدد بنيتها الهيكلية، ويتمثل في غياب البنية التشريعية والإطار القانوني الذي يحكم جماعة هذه المهنة، وتسبب هذا الغياب في الفوضى الحالية التي تواجه الصحافة والصحفيين، حتى ردد البعض متسائلا: هل هناك ماهو اسوأ مما تعانيه الجماعة الصحفية أكثر مما هي عليه الآن؟!

وإذا كان قانون انشاء النقابة رقم 76 لسنة 1970 هو المنظم لنشاط النقابة حاليًا، ويتصدر صفحتها الإلكترونية على موقع شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت"، منذ ما يزيد على نصف قرن، فهو لا يصلح للتفاعل مع التطورات ومعالجة المتغيرات الحديثة، ومن المدهش أن هذا القانون المعمول به حتى اليوم، وتجري من خلاله انتخابات النقيب والتجديد النصفي لأعضاء مجلس الإدارة الشهر الحالي، يحمل معاني عفا عليها الزمن وباتت تتناقض تمامًا مع واقع اليوم..

فقد حوت المادة "3" فقرة "أ" النص التالي: "تستهدف النقابة العمل على نشر وتعميق الفكر الاشتراكي والقومي بين أعضائها، وتنشيط الدعوة إليه في داخل المؤسسات الصحفية وبين جمهور القراء"..

أيضًا في نهاية الفقرة "ح" من نفس المادة جاءت كلمات نصها لا يتناسب، جملة وتفصيلًا، مع الواقع الحالي: "يجري نشاط النقابة في إطار السياسة العامة للاتحاد الاشتراكي العربي".. إضافة إلى أن اسم "مصر" في هذا القانون كان ومازال ساريًا باسم "الجمهورية العربية المتحدة".. فضلًا عن اسم الوزير المختص بالإعلام كان ومازال في هذا القانون: "وزير الإرشاد القومي"..

ولاشك أن غياب المنظومة التشريعية للمهنة، نتج عنه انتشار العشوائية المهنية التي أدت بدورها إلى فوضى اعلامية تشوهت معها واختفت الكثير من قيم المهنة وأصحابها، حتى ملامح تعريف ما هو الصحفي تشوهت وشهوهت المهنة، وما هي محددات ووسائل اعتماده صحفيًا، ناهيك عن غياب معايير مهنية لإنشاء الإصدارات والمواقع الإلكترونية، فضلا عن ضبابية المعايير والالتزامات على العاملين في المجال من جانب وعلى والكيانات الإعلامية التي يعملون بها من جانب آخر، يضاف إلى كل هذه الأسباب وغيرها، انحسار حركة العمل أمام أصحاب المهنة، وتلاشي حرية التعبير أمام رجل الشارع..

ومن المثير أن الحديث حول ميثاق الشرف الصحفي، خلال الأزمات وغير الأزمات، لم يتوقف نظريا، ولكن عمليًا لم يفعل هذا الميثاق الذي أعده وأصدره المجلس الأعلى للصحافة المعني بشئون المهنة سابقًا في مارس 1998، وهو يحدد الالتزامات المهنية والأخلاقية والاجتماعية والسلوكية للمهنة، ويضع حدًا لحالة التخبط الإعلامي السائدة حاليًا..

وبالرغم من كل ذلك، مازال الوقت مناسبًا لتحقيق الطموحات لإعلام كان سباقًا ومُنشئًا، ومازال، لغالبية الكيانات الصحفية الورقية والرقمية والفضائيات على المستوى العربي والإقليمي، خاصة أن لدينا الإرادة المجتمعية الواعية، والإرادة السياسية المدركة لأهمية ضبط منظومة الإعلام..

ولاشك أن المسئول والمواطن والمجتمع، قبل الصحفي، في حاجة إلى تنظيم وتطوير بيئة العمل الصحفي والإعلامي، لكي ننشئ مناخًا صحيًا للصحافة بكافة أشكالها القومية والخاصة والمتخصصة..

ومازال أصحاب المهنة، يترقبون إصدار مشروع قانون شامل وموحد لتنظيم الصحافة والإعلام يشمل الصحافة الورقية والرقمية، والإعلام المرئي والمسموع، ويترقبون مشروع قانون يلغي العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر والذي تم إعداده في العام 2015، وأيضًا تفعيل عمل الأمانات النوعية للجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية التي بدأت أعمالها وفقًا لقانون تنظيم الصحافة والإعلام لسنة 2018، والانتهاء من المشروعات الأولية للقوانين المكلفة بها، والخاصة بترجمة مواد الدستور المعنية..

فهل نؤسس إلى منظومة تشريعات تهيأ لولادة إعلام عصري جديد..

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: