Close ad

حوار القاهرة .. تجديد الشرعية وإنهاء الانقسام

27-2-2021 | 17:39
الأهرام اليومي نقلاً عن

منذ ما يفوق العقد من الزمن، لم تدخر مصر جهدًا من أجل تعزيز الموقف الفلسطينى، وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، حيث استمرت الجهود المصرية على مدى هذه الفترة الزمنية، بعد الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006، واستمرت بعد الانقسام وسيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007، حتى وصلت إلى الحوار الفلسطيني – الفلسطيني برعاية مصرية في الثامن والتاسع من فبراير عام 2021.

أربعة عشر عاما من عمر القضية الفلسطينية دون تحقيق إنجاز ملموس، بل على العكس من ذلك، تبدد جزء من رصيد القضية الفلسطينية بجوانبها السياسية والدبلوماسية فى خضم الانقسام والخلاف والتشرذم وغلبة المصالح الضيقة على المصالح الفلسطينية العليا، ما يأمله الشعب الفلسطينى بمختلف أطيافه والمتعاطفون مع قضيته أن فى العالم العربى أو العالم ككل، أن يكون الحوار الفلسطيني- الفلسطينى الذى جرى مؤخرا فى القاهرة والبيان الختامى الذى صدر عنه بداية إنهاء الانقسام وتهيئة بيئة مناسبة لتحقيق المصالحة الشاملة التى تعيد للصوت الفلسطينى زخمه ومصداقيته.

العديد من المؤشرات تعزز هذه النتيجة، فالاستجابة السريعة لقرار الرئيس الفلسطينى محمود عباس بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطنى فى مايو عام 2021، ويوليو وأغسطس من العام ذاته على التوالى، بعد مضى ما يقارب الأسابيع الثلاثة على هذا القرار الذى صدر فى 15 يناير عام 2021، تفصح عن الوعى الفلسطينى لمختلف الفصائل بأهمية الانخراط فى هذه العملية السياسية، على ضوء المعطيات الجديدة فى الموقف عربيا وإقليميا ودوليا.

من ناحية أخرى فإن قبول حركة حماس لمبدأ التتابع فى إجراء الانتخابات بديلا عن التزامن فى إجرائها، مؤشر إيجابى فى وعى قادة حماس بضرورة الاستجابة، وأهمية اللحظة أو الفرصة المتاحة للانخراط فى عملية سياسية، تمهد الطريق لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، كما أن فتح استشعرت ضرورة إجراء الانتخابات على كل المستويات باعتبارها الوسيلة المثلى لتبديد المخاوف وفتح الطريق نحو إعادة تشكيل الفضاء السياسى الفلسطينى، استنادا إلى مبدأ الشفافية والديمقراطية، على صعيد آخر فإن قرار إجراء الانتخابات وفقا للنظام النسبى، يستبعد التهميش والإقصاء ويتيح الفرصة لكل التكوينات السياسية للتمثيل فى المؤسسات التشريعية، البرلمان والمجلس الوطنى، فالجميع يشارك بدرجات متفاوتة فى صنع القرار والتأثير فى السياسات، وفقا لقدرته على التنافس والمؤيدين له فى الانتخابات ولا شك أن هذا الحرص على إجراء الانتخابات بمستوياتها المختلفة من جانب الرئيس الفلسطينى، ليس جديدا، وعلينا أن نتذكر أنه كان من أكثر المدافعين عن انخراط ومشاركة حركة حماس فى الانتخابات التى جرت فى عام 2006، بل وأقنع الإدارة الأمريكية بهذا التوجه واعترف بنتائجها.

أكد البيان الصادر فى ختام جولات الحوار الالتزام بالانتخابات وجداولها الزمنية وإطلاق الحريات العامة والسياسية والإفراج عن المعتقلين وتشكيل محكمة الانتخابات من قضاة من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وتولى الشرطة الفلسطينية بزيها الرسمى تأمين العملية الانتخابية ومقارها، ولا شك أن مضمون البيان يشير إلى التوافق حول القواسم المشتركة وتأكيد المصادقة عليها، والتركيز على الجوانب العملية والإجرائية دون الخوض فى ما وراء هذه الجوانب حرصا على إنجاح الحوار والتفاهم وفتح الطريق لتفكيك ميراث الانقسام.

الحوار الفلسطينى – الفلسطينى ارتكز على أرضية وبيئة ملائمة عربيا ودوليا تهيئ فرصة تلوح فى الأفق ينبغى استثمارها على أفضل نحو ممكن، تتلخص ملامح هذه الفرصة فى التفاهمات المصرية - الأردنية والعربية عموما والتى تدعمت باجتماع وزراء الخارجية العرب، وكذلك التفاهمات المصرية الأردنية الألمانية الفرنسية والتى تركز جميعها على ضرورة استئناف المفاوضات على قاعدة حل الدولتين، وكذلك وجود إدارة أمريكية ديمقراطية تؤمن بحل الدولتين وترفض الممارسات الأحادية وتسعى إلى إعادة بناء التعددية فى العلاقات الدولية، وقد استهدف الحوار الفلسطينى التجاوب مع هذه المعطيات، وتشكيل موقف فلسطينى جديد قادر على التعامل معها والتفاعل مع مخرجاتها على أرضية وطنية تستند إلى توافق الفاعلين الفلسطينيين.

من جانب آخر فكما جاءت نتائج الحوار لتؤهل الموقف الفلسطينى للتعامل مع المعطيات الجديدة عربيا ودوليا، فهى أيضا تلبى حاجات المجتمع السياسى الفلسطينى والمجتمع الفلسطينى ككل فى ضرورة تجديد الشرعيات بمستوياتها المختلفة وإنهاء الجمود والانقسام والاتجاه صوب المصالح الوطنية باعتبارها حجر الزاوية فى الموقف الفلسطينى.

كما أن نتائج الحوار تعزز من إمكانية وجود صوت فلسطينى موحد قادر على التفاوض وإبطال الحجة الإسرائيلية القائلة بعدم وجود طرف فلسطينى يمكنه التحدث نيابة عن الفلسطينيين، وهذه الحجة ورغم أنها ذريعة إسرائيلية للتسويف والمماطلة فى المفاوضات فإن إسرائيل بجهازها الدعائى والإعلامى وارتباطاته الدولية بدوائر الإعلام والسياسة والاستراتيجية، تمكنت من تسويقها وتصديرها إلى صانعى القرار الدولى ودوائر التخطيط الاستراتيجى، ولا شك أن عملية تفكيك هذه الحجة قد يبدأ بتوحيد الموقف الفلسطينى، ولكنه لا ينتهى بها، وبحاجة إلى استمرار الدبلوماسية الفلسطينية والدبلوماسية العربية فى بذل الجهود من أجل تعزيز مصداقية الجانب الفلسطينى.

ورغم ذلك فإنه يبقى أن رأب الصدع الفلسطينى لا يتوقف عند إصدار التوصيات والاتفاقات المكتوبة، بل يرتبط بتنفيذ هذه الاتفاقيات وترجمتها عمليا فى الواقع والاسترشاد بها فى الممارسة العملية والميدانية، ذلك أن كل اتفاق بين أى أطراف لا يكتسب قيمته إلا من خلال التطبيق العملى.

وكذلك لابد من اعتبار نتائج الحوار مجرد خطوة فى الطريق لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة؛ فهذه النتائج ليست نهاية المطاف بل هى بدايته، وتعزيز هذه النتائج يرتبط بما بعدها أى بما يمكن التوصل إليه من اتفاقات فى جولات لاحقة لتحقيق الأهداف المأمول التوصل إليها أى حق الشعب الفلسطينى فى دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.

ورغم العدد الكبير من الفصائل والحركات الفلسطينية التى شاركت فى الحوار(14 فصيلا) فإن ثمة بعض الأطراف لا تشارك فى الانتخابات مثل حركة «الجهاد» وكذلك «الجبهة الشعبية» لم تحسم موقفها من المشاركة بعد، كما أن العديد من القضايا لم تدرج على جدول الحوار ربما لاعتبارات عملية والحرص على البدء بالممكن فى هذه الظروف الدقيقة.

فى جميع الأحوال فإن الخروج من الحلقة الجهنمية للانقسام وآثاره السلبية لن يتم بخطوة واحدة، ولكنها قد تكون بداية لخطوات جديدة تفتح الطريق لقضية ميراث الانقسام واستعادة الثقة بين الأطراف المختلفة والتأكد من حسن النوايا واستبعاد التهميش والإقصاء والتخوين والتفريط، واستعادة الأمل فى تبنى استراتيجية واحدة وموحدة للنضال الفلسطينى من أجل الدولة والقدس والكرامة وإنهاء الاحتلال.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
ولاية الجنائية الدولية على الأراضي المحتلة .. بداية المساءلة

فى ديسمبر من عام 2019، حرصت السيدة فاتوبنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بأنه ثمة أساس معقول للاعتقاد بأن ثمة جرائم حرب ارتكبت فى الضفة الغربية،

مراسلات كلينتون ونهاية الإسلام السياسي

بصرف النظر عن التوقيت الذى تم فيه الكشف رسميًا عن الرسائل البريدية الإلكترونية للسيدة هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية سابقًا فى إدارة أوباما، والمرشحة

السلام .. وليس الأرض مقابل السلام

ليس من السهل وضع الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي للسلام على قدم المساواة مع المعاهدة المصرية الإسرائيلية، أو معاهدة وادي عربة مع الأردن أو مع اتفاق أوسلو

تركيا .. قدوة سيئة لإثيوبيا في السياسات المائية

تواجه مصر تحديات غير مسبوقة, على الأقل فى العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين والعقد الأول والثانى من القرن الحادى والعشرين، تتعلق بأمنها القومى وأمنها

أشباح الضم تراود حكومة نيتانياهو

إن صح تسمية الحكومة الإسرائيلية الخامسة التى شكلها بنيامين نيتانياهو وبينى جانتس من الليكود وحزب أزرق أبيض والتى يتم فيها تبادل منصب رئيس الوزراء بعد ثمانية

مصر عصية على الانكسار

مصر عصية على الكسر، هكذا كانت عبر الزمن، وهكذا ستكون إلى الأبد، فهى محروسة وهى الصفة التى لازمتها وستلازمها فى تاريخها القديم والحديث، وسواء كان مصدر هذه