Close ad
25-2-2021 | 16:33
الأهرام اليومي نقلاً عن

مرت منذ ثلاثة أيام الذكرى الثالثة والستون للوحدة المصرية-السورية التى بدت فى حينه خطوة جبارة على طريق تجسيد حلم الوحدة العربية باندماج أكبر وأقوى دولة عربية مع سوريا بكل وزنها الإستراتيجى والسياسى فى الوطن العربي، وكان السيناريو الشائع آنذاك أن تكون هذه الوحدة بمثابة المغناطيس الذى يجذب إليه الدول العربية تباعاً خاصة فى ظل الزخم الشعبى الهائل المتحمس للوحدة وبالذات فى المشرق العربي.

وكان التصور أن ينضم العراق إلى الوحدة بعد سقوط نظامه المتحالف مع الغرب بعد ٥ أشهر فقط من قيامها، بل لقد بدا أن جاذبية الوحدة قد امتدت حتى للنظم المحافظة عندما طلب نظام الإمامة اليمنى الانضمام للوحدة فى الشهر التالى لقيامها واستُجيب لطلبه بعلاقة كونفيدرالية لم يكن التباين الصارخ بين النظامين يسمح بأكثر منها، غير أن تلك التجربة الرائدة التى لم تصمد لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة سرعان ما بدأت تكشف عن أن العوامل الموضوعية التى جمعت بين البلدين فى إطار الرابطة العربية الجامعة والحماس الشعبى الهائل للوحدة وقيادة عبد الناصر الكاريزمية التاريخية لا تكفى وحدها لاستمرار الوحدة وتمددها جغرافياً، وإنما لابد من بنية مؤسسية قوية تضمن رشادة القرارات وتواجه التحديات وتحافظ على المنجزات، وكنت دائماً أُجيب عندما أُسأل عن السبب فى الفشل المتكرر لتجارب الوحدة العربية رغم ما يجمع العرب من رابطة قومية فيما نجحت الوحدة الأوروبية التى لا تستند إلى هذه الرابطة بأن السر يكمن فى المؤسسة التى كفلت الاستمرار وإيجاد الآليات الكفيلة بتجاوز عقبات التطبيق.

واجهت الوحدة المصرية-السورية كل أنواع التحديات، وانطبق عليها تحليل هانز مورجانثو رائد المدرسة الواقعية فى العلاقات الدولية الذى فسر انهيار التجارب الوحدوية بخلل التوازن داخل بنية الوحدة وبينها وبين بيئتها الخارجية، فقد كان عدد سكان مصر زمن الوحدة خمسة أمثال سكان سوريا تقريباً مما حتم أن تكون الغلبة فى جميع المؤسسات القيادية للدولة من المصريين الأمر الذى فتح الباب لأعداء الوحدة لترديد دعاوى غير صحيحة عن هيمنة مصرية، خاصة أن مخططى الوحدة اختاروا أن تكون دولة مركزية بسيطة وليست فيدرالية مركبة، وكان هذا أول الدروس المستفادة من التجربة، وهو أن صيغة الوحدة الاندماجية ليست الصيغة المثلى، أما العلاقة بين دولة الوحدة وبيئتها الخارجية فكانت على الصعيد الرسمى -عكس الشعبى عربياً- قائمة على العداء الواضح، وإذا كان موقف النظم العربية المحافظة منطقياً للخشية من أن تطولها موجة التغيير فإن ما حدث بعد الثورة التى أطاحت بالنظام الملكى فى العراق كان بداية لظاهرة جديدة فى النظام العربى وهى الصراع بين النظم الثورية العربية أحياناً بدرجة أشد من الصراع بين هذه النظم ونظيرها المحافظ، فبينما كان المتوقع أن ينضم العراق إلى ركب الوحدة إذا بالتدهور الحاد يلحق بعلاقته بدولتها، وسواء كان هذا التدهور راجعاً إلى اختلاف الخط السياسى أو الحساسية العراقية من الاستيعاب فى دولة الوحدة أو عوامل خارجية سعت إلى الدس والوقيعة بينهما فإن النتيجة كانت واحدة وهى أن البيئة العربية الرسمية كانت معادية بالمجمل لدولة الوحدة.

أما البيئتان الإقليمية والدولية فحدث عنهما ولا حرج، فعلى الصعيد الإقليمى لم يكن هناك أدنى شك فى عداء القوى الإقليمية الرئيسية للوحدة، ويكفى أن نتذكر تصريح بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل آنذاك بأنه نام وعلى حدوده أربعة ملايين واستيقظ ليجدهم قد أصبحوا ثلاثين، وكان سكان سوريا لحظة إعلان الوحدة يتجاوزون ٤ملايين بقليل فيما كان سكان مصر يقتربون من ٢٦مليونا، وهو تصريح يلفت إلى المغزى الاستراتيجى للوحدة، وبالفعل شهدت دولة الوحدة أفضل أداء للجيش السورى فى مواجهة إسرائيل (معركة التوافيق١٩٦٠) خاصة وقد تفرغ لمهمته الوطنية بعيداً عن تدخله المتكرر فى السياسة قبل الوحدة، أما تركيا الأطلنطية وإيران الشاهنشاهية فلم يكونا حينها سوى مخلبى قط للسياسة الأمريكية قائدة المعسكر الغربى المعادى للمد التحررى العربى عامة وللوحدة المصرية-السورية كتجسيد لهذا المد خاصة، لكن المفارقة تمثلت فى موقف الاتحاد السوڤيتى الذى كان سنداً لمصر فى معاركها الكبرى بعد ثورة يوليو، لكنه اعتبر الوحدة إجهاضاً لمسار تقترب فيه سوريا من الشيوعية، فضلاً عن أن بعداً مهماً فى الصراع بين النظام الثورى الجديد فى العراق وبين دولة الوحدة كان يتعلق بتوجهه اليساري، لذلك لم تكن القيادة السوڤيتية مستريحة لدولة الوحدة منذ البداية، ووصل الأمر إلى حد التلاسن العلنى بين خروشوف وعبد الناصر، ولذلك استُدعى سفير دولة الوحدة فى موسكو فى اليوم الأول للانفصال وأُبلغ أن الاتحاد السوڤيتى راض عما وقع فى دمشق فى ذلك اليوم.

هكذا أُحْكِمَت الحلقة حول دولة الوحدة وأُضيف إلى هذا بعض الارتباك والأخطاء فى إدارتها فوقع انقلاب الانفصال تتويجاً للمؤامرات عليها، وحاول عبد الناصر مواجهته سياسياً ثم قرر أن يدعم عسكرياً وحدات الجيش السورى التى بقيت على ولائها للوحدة فى حلب واللاذقية، غير أنه تراجع بعد أن أعلنت تأييدها الانقلاب، وكان هذا واحداً من أفضل قراراته حتى تبقى تجربة الوحدة نقية من أى شبهة لإكراه وإسالة دماء، وقد رأينا كيف انعكس استخدام القوة فى الحفاظ على الوحدة اليمنية في١٩٩٤ سلبياً على التجربة برمتها لاحقاً، ولأن للوحدة العربية مقوماتها حقيقية ولأن التجربة المصرية-السورية كانت رغم كل شىء كاشفة للآفاق التى يمكن أن يصل إليها العرب بوحدتهم فقد بقى الحلم، لكن عوامل إحباطه بقيت معه، ومن هنا تعددت المحاولات الوحدوية بعد الانفصال وتعثرت حتى وصلنا إلى الحالة الراهنة التى نسعى فيها للحفاظ على كيانات الدول العربية وليس إلى الوحدة بينها، وهو موضوع المقالة القادمة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
بايدن وقيادة العالم (٢/٢)

استعرضت المقالة الماضية رؤية الرئيس الأمريكى لدور بلاده فى قيادة العالم بقوة نموذجها المستند إلى القيم الديمقراطية وإعلائه من ثم لدور الدبلوماسية مع الإبقاء

بايدن وقيادة العالم (2/1)

زار الرئيس الأمريكي وزارة الخارجية في ٤فبراير وألقى كلمة شكلت مع جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ مع وزير الخارجية الحالي قبل