Close ad

بايدن وقيادة العالم (٢/٢)

18-2-2021 | 17:56
الأهرام اليومي نقلاً عن

استعرضت المقالة الماضية رؤية الرئيس الأمريكى لدور بلاده فى قيادة العالم بقوة نموذجها المستند إلى القيم الديمقراطية وإعلائه من ثم لدور الدبلوماسية مع الإبقاء بطبيعة الحال على دور القوة الصلبة وضرورة اتساقها مع هذه الدبلوماسية، وتقتضى هذه الرؤية تعزيز تلك القيم وتوحيد الداخل الأمريكى وإعادة التحالفات الأمريكية لسابق قوتها وتعزيز علاقات التواقف (الاعتماد المتبادل) مع العالم ومساعدة الآخرين لأن هذا يصب فى المصلحة الأمريكية.

ومع أن بايدن ركز على رؤيته الشاملة إلا أنه اختار أن يتناول تحديداً -بالإضافة للتنافس الصينى والروسى مع بلاده- الوضع فى ميانمار بعد الانقلاب العسكرى ربما لجدته وأهميته فى سياق التنافس مع الصين والصراع فى اليمن لسبب لم أفهمه، وإن حاولت ربطه باهتمامه بالملف الإيراني، وتحاول هذه المقالة استكشاف أبعاد موقف إدارته تجاه ملفات مهمة لنا كالصراع العربي-الإسرائيلى والملف الإيرانى والصراع فى اليمن، ولقد شاعت فكرة مفادها أن بايدن سوف يكون مشغولا فى بداية رئاسته بتوحيد الداخل الأمريكى ومواجهة جائحة كوفيد ـ ١٩ وإحياء الاقتصاد، وهى فكرة صحيحة غير أن غير الصحيح هو ما رتبه البعض على ذلك من قيود على حركته الخارجية، وبطبيعة الحال توجد قيود على التحرك الخارجى لأى دولة، لكنها لا تمنعها من التحرك لتحقيق مصالحها وحمايتها، وإذا كانت هذه القاعدة تنطبق على أى دولة فمابالنا بدولة عظمى.

ويستطيع المتابع للتحركات الخارجية لإدارة بايدن التوصل إلى افتراض مفاده أن هذه التحركات ذات طابع إصلاحى بعيدا عن التغيير الجذري، وربما اكتسبت أهمية خاصة لأن ترامب اشتط كثيرا فى الخروج عن المدى الطبيعى للتفاعلات بتمرده على ارتباطات دولية مهمة كاتفاقية باريس للمناخ وعضوية منظمة الصحة العالمية واستفزازه للحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة واتفاقه مع تنظيم إرهابى كطالبان، وهكذا استطاعت إدارة بايدن فى وقت قصير أن تتخذ إجراءات سريعة بدا منها وكأن ثمة تغييرات مهمة مع أنها على أهميتها ليست سوى عودة للمألوف.

أما الخصومات الرئيسية للولايات المتحدة مع الصين وروسيا والتحالفات الرئيسية مع إسرائيل مثلاً، فهى باقية مع لمسات إصلاحية قد تكون مهمة لكنها بالتأكيد لن تُحْدِث تغييرا جذريا، وإذا بدأنا بالصراع العربي-الإسرائيلى فقد كان واضحاً منذ جلسة استماع لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ مع بلينكن لتثبيت ترشيحه لوزارة الخارجية أن ثوابت السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل راسخة بما فى ذلك إقرار خطوة نقل السفارة الأمريكية للقدس ومباركة الاتفاقات الإبراهيمية، لكن أحدا لم يوجه لبلينكن أسئلة فى قضايا أخرى كالاستيطان وضم الجولان وغيرهما، وفيما بعد تكفلت التطورات بإيضاح طبيعة الإصلاحات المحتملة لسياسة بايدن تجاه الصراع، فقد أيد بلينكن منذ البداية حل الدولتين لكنه حرص على تأكيد أنه لن يحدث فى المدى القصير، وخرجت تصريحات غير مواتية لمشاريع الاستيطان الجديدة ولكن دون إشارة لاعتراف ترامب بشرعية الاستيطان، وفرق بلينكن بين أهمية الجولان لأمن إسرائيل والطابع القانونى للمسألة، وهو تكييف لا يعنى شيئا محددا، وثمة تصريحات رسمية بعودة الاتصالات مع السلطة الفلسطينية واستئناف للمساعدات الإنسانية، وكلها خطوات إيجابية لكنها غير كفيلة بإحداث أى تغير جذرى لصالح الفلسطينيين.

وفى الملف الإيرانى يشيع الحديث عن اختلاف جذرى بين ترامب وبايدن على أساس أن الأول قد انسحب من الاتفاق، بينما أعلن الثانى فى حملته الانتخابية أنه سيعود إليه، لكن إمعان النظر فى التفاصيل لا يكشف عن فروق جذرية، فكلاهما ضد امتلاك إيران سلاحا نوويا، ولا ننسى أن ترامب أعلن غير مرة أنه سيسعى بعد فوزه لعقد اتفاق أفضل وهو ذات ما يحاوله بايدن الآن عندما يتحرك مع حلفائه الأوروبيين لإعادة التفاوض لتعديل الاتفاق بحيث تشارك فى التفاوض أطراف إقليمية (كدول الخليج وإسرائيل مثلا)، ويشمل الاتفاق برنامج الصواريخ الباليستية والتغلغل الإيرانى فى دول المنطقة، وكل هذا من رابع المستحيلات بالنسبة لإيران التى اتخذت خطوات تصعيدية فى نشاطها النووى كرد على سياسة ترامب، وتستطيع الآن التراجع عنها كتنازلات تقدمها مقابل عودة الولايات المتحدة للاتفاق مع إمكانية إدخال تعديلات لا يمكن أن تمس برنامج الصواريخ الباليستية لأنه فى صلب معادلة الأمن الإيراني.

ولا ننسى وجود الخط المتشدد القوى فى النظام الإيرانى وقرب الانتخابات الرئاسية، وقد يمكن تخيل قبول النظام الإيرانى لخطوات معينة لتسهيل التوصل إلى اتفاق لا تمس جوهر سياساته الإقليمية (كعلاقته بحزب الله اللبنانى والنظام السوري) كإعطاء ضمانات لأمن دول الخليج العربية أو إبداء مرونة فى تسوية الصراع فى اليمن، وقد يتسق هذا مع التحركات الأمريكية الأخيرة بإلغاء تصنيف ترامب للحوثيين كجماعة إرهابية وتعيين مبعوث لليمن والاعتراض على استمرار العمليات العسكرية لتحالف الشرعية ووقف إمدادات الأسلحة لدوله، ورغم أن التصريحات الأمريكية تدين تصرفات الحوثيين فإننى لاحظت عدم التركيز على مسألة الشرعية ومعاملتهم كما يفعل المجتمع الدولى كندٍ فى الصراع بغض النظر عن أن إسقاط صفة الإرهاب عنهم يعكس مرونة فائقة فى تعريف الإرهاب تبدو غريبة فى ضوء الهجمات الحوثية على أهداف مدنية.

كما فى العمليات الأخيرة فى مطار أبها، ناهيك عن إدانة بيان الخارجية الأمريكية فى ١٦فبراير لدورهم فى تعويق وصول المساعدات -مع أن تسهيل وصولها كان السبب المعلن لإلغاء قرار دمغهم بالإرهاب- وكذلك لهجمات زوارقهم المتفجرة ضد السفن التجارية فى البحر الأحمر، وعموما فإن ثمة تناقضات واضحة فى سياسات إدارة بايدن تجاه الملفات السابقة وغيرها يمكن العودة إليها لاحقا، غير أن المهم أن الطابع الإصلاحى لسياسة بايدن يفتح الباب فى تقديرى لدول المنطقة للعب دور أكبر فى تشكيل هذه السياسة، وأحسب أن الدبلوماسية المصرية بتراكم خبراتها وتميز كوادرها ومهاراتهم الفائقة قادرة بل مطالبة بأن تُمسك بزمام المبادرة فى هذا الصدد.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
خواطر وحدوية «1/2»

مرت منذ ثلاثة أيام الذكرى الثالثة والستون للوحدة المصرية-السورية التى بدت فى حينه خطوة جبارة على طريق تجسيد حلم الوحدة العربية باندماج أكبر وأقوى دولة

بايدن وقيادة العالم (2/1)

زار الرئيس الأمريكي وزارة الخارجية في ٤فبراير وألقى كلمة شكلت مع جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ مع وزير الخارجية الحالي قبل

الأكثر قراءة