Close ad

ولماذا لا نهزم البايرن ..؟!

16-2-2021 | 15:41
الأهرام اليومي نقلاً عن

نظر فرأى كتفي صاحبه تصعدان ثم تهبطان وجسده يهتز اهتزازات منتظمة وأنفاسه تتمدد فتأخذ سطح الكمامة إلى الخارج ثم الداخل كمن يضحك. بالفعل كان يضحك. ملكته الغيرة واستولى عليه الفضول حتى عضّ على شفتيه وكلّم نفسه: عَلامَ يضحك ابنُ الّذين آمنوا هذا يا ترى؟.. ازدرد لعابه بصعوبة ثم مال على أذن الصاحب فهمس: على فكرة يا عمّنا إن الضحك من غير سبب قلة أدب؟ قهقه الصاحب وردّ فى صوت منغّم كأنه يغني: بل أضحكتنى قلة الأدب! لم يترك له صاحبه المجال ليتعجب أو يستفسر فأكمل عبارته موضحًا: أضحكتنى عبارة قالها واحد من خبرائنا الكرويين تعليقًا على مباراة الأحمرين؛ الأهلى والبايرن. لقد قال الخبير: لأول مرة فى عمرى أسمع عن اتحادٍ لكرة القدم فى بلد ما يهنئ فريقا لهذا البلد بهزيمته..

بل يهتف للاعبين (شرّفتمونا). ههههههه..! شعر هو وكأن طعنة خنجر أصابت أعصابه وهو العاشق للفانلة الحمراء. تصاعد الدم المغلى إلى دماغه. ألقى خرطوم الشيشة إلى الأرض. انتفض واقفًا ثم صرخ: خَسِئْتَ.. ألم يشرفونا بذمتك؟.. أحس الصاحب بالخطر إذ رأى رذاذ الغضب الأحمر يتطاير من شدقى رفيق العمر والمقهى والشيشة فهتف: اجلس يا عمّ الله لا يسيئك لميت علينا الناس..

وتعالَ نعقلها! أردف: هل أصبحنا نهنئ أنفسنا على الهزيمة يا صاحب الشرف الرفيع؟.. إذن فماذا نفعل عند الفوز؟.. ألسْتَ معى فى أن فى ذلك ترسيخا لثقافة الخنوع والاستسلام والرضا بالقليل ومن ثمّ الكَف عن الطموح والتقدم ؟.. ألم يقل العرب الأقدمون: صَوِّبْ على النجم تُصِبْ المئذنة.. فمالنا ارتضينا إدمان التصويب (بَرَّه الـ3 شبكات) ثم نصفق؟..

أليس من الأجدر شدّ أذن الخاسرين بدلا من الشد على أيديهم كى يستفيقوا ويصحصحوا ويتحمسوا فيتحولوا إلى أسود ضارية يخشى زئيرهم الليل؟.. سكت هو قليلا .. وركبته الحيرة وقد وجد فى كلمات صاحبه البعض من المنطق.. تلعثم وتوتّر فأتاه الغوث من الجالس بجوارهما يتسمع إلى حديثهما وقد وَخَط الشيبُ فوْديه. ابتسم الرجل فى وقار. قال: يا أستاذ كن منطقيًا.. أين الألمان وأين نحن؟ لقد أدى لاعبونا ما عليهم فى حدود إمكاناتهم وخبرتهم ومستوى الكرة فى وطنهم..

كيف تريدهم أن يهزموا الماكينات الجرمانية وقد دَكّ الألمان حصون الجبار ميسّى (وهو من هو!) بالثمانية؟.. حرام يا باشا.. أنا معك أن الأحلام مطلوبة لكن طلب المستحيل حماقة.. أم تراك لست توافقني؟ ابتسم الصاحب ظانًّا أنه سحبهما إلى أرضه وراح يمطرهما بالأجوال. قال: قضيتى يا هذان ليست تلك المباراة.. ولا أى مباراة.. ولا كرة القدم أصلا.. بل قضيتى هى المبدأ: هل بلغنا، نحن المصريين والعرب، تلك الدرجة التى أصبحنا فيها نستمرئ الهزيمة.. بل نستطعمها فنتلذذ بها ونهنئ الخاسرين؟..

لو أن ذلك كذلك فلنصارح أنفسنا بالحقائق.. وكفانا غناءً كاللغو للماضى التليد.. ولانتصارات دون كيشوتية نحشو بها أدمغة عيالنا بالمدارس والجامعات وفى متون الكتب الصفراء! فغر صاحب الفودين الأشيبين فمه مدمدمًا: ماذا تعني.. لم أفهمك لا مؤاخذة؟ رد الصاحب: أبدًا.. إن رأيى هو أن قبول الهزيمة، حتى لو كانت ممن هم أقوى منا وأشرس، هو بداية الاضمحلال والانحسار والخيبة الكبري.. بينما تربية الأبناء على المقاومة والملابطة والصبر والإصرار على الكسب مهما تكن التحديات (حتى لو كنا نلاعب الألمان أو الشياطين الحُمْر أو الجن الأزرق) هى بداية الانطلاق والازدهار وتجاوز خيباتنا الثقال. صمت قليلا إلى أن سرى فى عروقه نَفَس الدخان (التفاحي) الذى شَدّه للتَوِ، ثم أضاف: لعبة الحياة يا سادة ليست للكسالى المهزومين المبسوطين بهزيمتهم..

وإنما هى للمعافرين الأشداء الأشاوس.. فما رأيكما؟ سكت هو كمن فقد النطق فانبرى الوقور ابن المشيب الجالس بجواره للكلام. قال: لا..لست معك يا أستاذ فما أراك إلا مُرددًا شعارات لا تعنيها. إن علينا أن نعترف بأن الناس خلقهم خالقهم درجات، سواء فى الصحة، أو الرزق، وكذلك فى العنفوان الحضاري.. ونحن، كما تري، حالنا لا يخفى عليك..(العبد وسيده على المحطة).. ويا مولاى كما خلقتني؛ نحن أضعف حلقات سلسال الحضارة فى الدنيا كلها.. ولما كانت كرة القدم جزءا من هذا العنفوان فلا تتوقعنّ أن تهزم (البايرن) ولا فى أحلامك..

أفق يا عم الُمدمن شيشته والزم حدودك واحمد ربك على أنهما 2/صفر فقط.. وليسا عشرة فى عينى العدو.. الواقعية حلوة يا أفندي!. ابتسم الصاحب ابتسامة غيظ وهمس متحديًا: إذن فما قولك فى الفريق المكسيكى الذى بهدل الألمان فى النهائى وأسال لهم عَرَق الخجل فلم يفُزْ البايرن إلا بهدف يتيم بعد تدخل (الفار).. فهل نحن أقل من المكسيكيين عنفوانًا؟.. قالها ثم نظر إلى صاحبه نظرة ذات مغزى يكاد لسان حالها ينطق: (كفاية يا خال..لا تُشمِّتْ فينا الغريب)..!.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
كورونا التى علمتنا ( الأدب)!

( آآآآآلوه).. جاءه صوت صاحبه، على غير عادته، واهنا خافتا مهزوما، كأنما الصوت صوت غريق موشك على الهلاك. مالك يا عمّ كفى الله الشر؟.. هكذا سأل هو بنبرة لا

الأكثر قراءة