Close ad

أمريكا .. الشرطة وحقوق الإنسان

8-2-2021 | 16:09
الأهرام اليومي نقلاً عن

عقب زيارة بعض أعضاء الكونجرس للقاهرة قال لي صديق منهم: «مصر بلد جميل وشعبها كريم مضياف لكن الشوارع بها عدد كبير من أفراد الشرطة، مما يعني أن هناك سيطرة أمنية». تذكرت هذه الواقعة وأنا أتابع الاستعدادات الأمنية في الولايات المتحدة قبيل تنصيب الرئيس جو بايدن تحسبًا لهجمات أخرى.

كانت الولايات فى حالة استنفار أمني. واشنطن العاصمة أطلق عليها مدينة الأشباح، الشوارع تكاد تخلو من المواطنين كما أطلق عليها «ساحة المعركة» بسبب الأعداد الهائلة من أفراد الأمن، بها قوة أمنية من 25 الفا يجوبون الطرقات بسياراتهم ومعداتهم، الكلاب البوليسية تبحث عن المارقين وافراد أمن فوق الأسطح للمراقبة، استمر القلق الأمنى وانتشار الشرطة الى اليوم.

اتصلت بذلك الزميل وطلبت منه أن يشاهد ما يحدث فى عواصم الولايات وعلى الأخص واشنطن وسألته ان كان ذلك يعنى انه اصبح لديهم حكم عسكري، قال فهمت قصدك واقتنعت بأن الأمن أولا. ادركوا الحقيقة اخيرا بعد هجوم 6 يناير، ذلك الاعتداء على الكابيتول رمز الديمقراطية الأمريكية وما صاحبه من عنف وتخريب وتهديد، أحدث تغييرات جذرية فى أمور متعددة منها، إدراك أن الأمن أول حقوق الإنسان وأنهم يفتقدونه. اصبح العنف الوطنى والإرهاب الداخلى قضايا ملحة وتحديات يرددها رئيس الدولة ومحل نقاش كبير عبرت بيلوسى رئيسة مجلس النواب عن مخاوفها بأن مصادره متعددة خارج المجلس وايضا داخله. لتحقيق الأمن اقترحت مديرة أمن واشنطن بناء سور حول الكابيتول وهو ما رفضه عدد من الأعضاء لأن الكابيتول، رمز الديمقراطية والمشاركة، يجب ان يكون مفتوحا لأفراد الشعب ولا توجد قيود للوصول اليه. امتنع المواطنون عن الخروج الى الطرقات. طالب المسئولون بتفعيل دور أجهزة الأمن وتشديد الرقابة، طرأ تغيير كبير على النظرة للشرطة ودورها بعد ان كانت الشكوى من تدخل الشرطة ومنع المتظاهرين واستبعاد المشتبه فيهم واصحاب السوابق. اصبحت الشكوى عدم تدخل الشرطة والتراخى فى منع المتظاهرين فاقتحموا الكابيتول.

والآن تأكد لهم دور الشرطة وضرورتها لحفظ الأمن، ولذا تقرر إبقاء قوات الشرطة فى المنطقة ووجود قاعدة عسكرية قريبة من الكابيتول للاستعانة بها فورا عند الضرورة.

أجريت الأبحاث فى ملفات وتاريخ العاملين بالشرطة وعناصر الحرس الوطنى للتحقق من الكفاءة والولاء، وتبين من كتاباتهم فى وسائل التواصل الاجتماعى أن بعضهم يتعاطف مع أهداف المعتدين وتم الاستغناء عنهم. تقوم أجهزة الأمن و FBI بملاحقة المعتدين. تتبع كل من ظهرت صورهم فى التسجيلات للتحقيق معهم ومحاسبتهم وهناك نحو 200 قضية مرفوعة عليهم ومازال التحقيق مستمرا. اقتنعوا اخيرا بأن احتجاز جميع المتظاهرين للتحقيق معهم من أجل تحديد من أسهم فى العنف ليس انتهاكا لحقوق الإنسان كما كانوا يدعون ويوجهون لنا اللوم بسببه.

أصبحت الشرطة صديقة الشعب بعد أن كانت عدوه الأول، وتم تكريم بعض أفرادها الذين ابلوا بلاء حسنا فى حماية اعضاء الكونجرس والتصدى للمعتدين. أقيمت جنازة عسكرية رسمية للضابط الذى اعتدى عليه وتوفى متأثرا بإصاباته حضرتها بيلوسى ونائب الرئيس وتم دفنه فى مقابر ارلنجتون المخصصة للزعماء. كانت مظاهرة فى تقدير الراحل وجهاز الشرطة.

بدراسة موقف اجهزة الشرطة قبل الاعتداء تبين أن بعضها قد وصله تحذير وتنبيه من اندلاع العنف بسبب مظاهرة سيقوم بها أنصار ترامب الذين يشككون فى نتيجة الانتخابات، لكن كان رأى قيادات الشرطة أنه لا تخوف من حدوث عنف إلا إذا قام الديمقراطيون ايضا بمظاهرة واصطدم الطرفان معا. لم يخطر على بالهم أن التهديد يطول ركنا من اركان الديمقراطية فى الولايات المتحدة، وهو الكابيتول واعضاؤه، وبذلك لم يقوموا بمنع التظاهر تخوفا من اتهامهم بانتهاك حقوق الإنسان وحرية التعبير.
الواقع الذى تعيشه الولايات المتحدة اليوم سوف يفرض تطورات حول مفهوم قضية حقوق الإنسان. فبالإضافة الى قضايا الأمن ودور الشرطة هناك ثغرات كثيرة تتطلب الاهتمام بها منها التفاوت الكامل فى

التعامل بين المواطنين، حسب اللون والعرق، عندما قام انصار ومنظمات اللون الأسود بمظاهرة منذ أشهر تعرضت لهم الشرطة فورا وبسرعة للتصدى لهم ومنعتهم بالقوة، لكن المتظاهرين والمعتدين على الكونجرس تركوا دون مواجهة لفترة سمحت لهم باقتحام المبنى لأنهم من اصحاب اللون الأبيض.

تبين ايضا ان الفئة الأكثر معاناة من البطالة والفقر بسبب الوباء هم الأمريكيون السود وان اقل من استفادوا من التطعيم هو الأقليات - السود واللاتين والآسيويون والسكان الأصليون ولذا زاد الاهتمام بحقوق الأقليات وأجريت الأبحاث التى أكدت أن هذه الأقليات ليس لها نصيب فى المناصب العليا والقيادية سواء فى الحكومة او القطاع الخاص بما لا يتناسب مع عددهم بل كفاءتهم مما يعتبر انتهاكا صارخا للحق فى المساواة. هذه الحقائق ليست غائبة عن الرئيس الأمريكى الجديد الذى اصبح مطالبا بتصحيحها ويكرر فى خطاباته الدعوة الى ضرورة تأكيد المساواة العادلة. بل ان الحق فى التعبير ذاته طرأ عليه مناقشات مستجدة، وتأكد أنه لا يجوز أن يتعارض مع الأمن القومى بل توضع عليه قيود لا تحد فقط من فوضى المواطنين فى الهجوم على الحكومة إنما ايضا تشمل تضليل الحكومة ورئيس الدولة المواطنين. بعض شركات التواصل الاجتماعى التى أساءها ما ينشره ترامب فى موقعه من تضليل وتهديد وتشجيع إثارة الشغب اغلقت حساباته وهنا رفع محاميه قضايا على الشركات بدعوى انها انتهكت الحق فى التعبير لكن جاء القرار بأن الحق فى التعبير، لا يجوز ان يتعارض مع الأمن القومى ولا يهدد حق الإنسان فى الأمن ومعرفة الحقائق، ومازال البحث والحديث مستمرين حول القيود التى يجب ان توضع على التعبير من خلال التواصل الاجتماعى هل تضعها الحكومة ام الشركات ام يترك للمواطن الاختيار؟

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: