تجديد الفكر الدينى خارج رجال الدين عمل شيطانى، لكن عدم تجديده يوسع مساحة عمل الشيطان اعتمادا على تفسيرات قديمة فى كتب التراث لتكفير الآخر وممارسة الإرهاب. الشيطان يريد بقاء الوضع كما هو، لأن ذلك يمنحه فرصا لا نهائية للوسوسة باسم الدفاع عن ثوابت الدين، الشيطان فى غاية النشاط، لا يتركنا أبدا.
بهذه الفكرة الصادمة والمثيرة يناقش الكاتب الكبير نبيل عمر، بكتابه الجديد: «الشيطان وتجديد الفكر الديني»، قضية دارت حولها معارك عنيفة خاسرة منذ مفتتح القرن الماضى. فشلنا فى أن نجدد ولم نستكن لعدم التجديد. اعتقدنا أن جماعات العنف العائق الأساسى، ونسينا أن الأزمة أكبر، إنها تتعلق بأمة أدمنت مظاهر الدين لا جوهره، ألقينا بكل قيم الإسلام من تراحم ومحبة ومكارم الأخلاق جانبا- يقول الكاتب-، وركزنا على الشكليات، تماما كما تمسك الإرهابيون بتفسيرات جعلتنا والعالم فى دار الحرب، وهم فقط بدار السلام.
ماذا فعل نبيل عمر إزاء هذا الوضع؟ لم يكتف بالتنديد وترديد مقالات معلبة مع أو ضد، كما السائد، بل أسهم بجهده لتحريك المياه الآسنة من خلال إعادة قراءة حرة للسيرة النبوية والحديث والتفسير بحثا عن إجابات ليستقيم سلوكنا مع جوهر الإسلام، لا يدعى أنه متخصص لكنه يعتقد أن مواجهة هذه الإشكالية المعقدة ليست فقط مهمة رجال الدين، بل كل مسلم قادر على التفكير ولديه النية الصادقة والقدرة على الغوص بكتب التراث.
طرح الكاتب أسئلة شغلت اهتمامه منذ منتصف الثمانينيات ليكتشف أن كثيرا من الروايات لا تصمد للنقاش العقلى أو الفهم الصحيح للتراث، ومع ذلك فهى شائعة يرددها مشايخ على أسماعنا دون تمحيص، من عينة: هل تزوج النبي( صلى الله عليه وسلم) من السيدة عائشة، وهى بسن التاسعة؟، وهل قتل مرتدا طول حياته بعد استتابته؟ والموقف من الرق وأحاديث الرجم وفتاوى زمن الانحطاط، إلى جانب الجهد البحثى العميق، نحن أمام كتابة ممتعة، عودنا عليها الكاتب الكبير بتحقيقاته الصحفية ومقالاته، كتابة تسير فى الممنوع لكنه الممنوع المرغوب فيه لإنقاذ العقول من حراس أسوار الأفكار القديمة، وما أكثرهم.