في حريق برج فيصل المحترق، كالعادة لابد أن نكون رد فعل، لا فعل.. تعقيبًا لا مبادأة.. علاجًا وليس وقاية.
وهذا الحريق جعلنا نواجه ونناقش عدة قضايا مهمة.. أولها: دور المحافظة والمسئولين والمجلس المحلي، فلقد خرجت محافظة الجيزة لتناشد المواطنين الإبلاغ عن أي مخزن أو مصنع غير مرخص أسفل العقارات السكنية..
هل هذا منطقي؟!.. المناشدة فيها بعض المنطق من ناحية إبلاغ المواطنين عن المخالفات.. وهذا بالفعل واجب المواطن، بشرط ألا يكون هو الأساس في تحرك المسئولين.
فالمسئولون هم الأساس في التحرك لكشف المخالفات، وتبقى نسبة بسيطة ضئيلة تتخفى وتبتعد عن الحكومة خوفًا من الترخيص والتغريم والمعاقبة، هنا نطالب المواطن بمساعدة الحكومة والمسئولين في الكشف والإبلاغ عنها، فهناك مخالفات واضحة وضوح الشمس تراها الحكومة ليلًا ونهارًا ولا تتحرك فيها..
فعندك مثلًا مواطن يبني برجًا على أرض زراعية، - برجًا وليس عشة أو حجرة صغيرة - أو مواطن ينشئ "تل توار" في شارع عمومي يغلقه تمامًا أمام المارة.. أو مواطن يفترش الشارع ببضاعته.. كل هذا تحت سمع وبصر مسئولي الحي ولا أحد يتحرك..
وحسنا قال محافظ الجيزة إنه ستتم محاسبة مسئولي حي كرداسة التابع له العقار المحترق، لأنهم مسئولون عن العقار، وستتم إحالتهم للنيابة الإدارية خطوة جيدة نتمنى أن نرى أثرها الفعلي بعد التحقيق.. وأن يكون هؤلاء المهندسون والمسئولون في حي كرداسة عبرة لغيرهم.
ثاني تلك القضايا هي مسئولية المواطن تجاه دولته وتجاه جيرانه، كلام كبير وبراق ويستحق مجلدات في الجامعات السياسية.. لكنه جيد بشرط وحيد - من وجهة نظري بالطبع - بعدما أقوم بالإبلاغ في مخالفة يقوم بها جاري لا تأتي إليه الشرطة أو المسئولين الحكوميين، وتقول له: "إننا لم نكن سنتحرك لمعاقبتك، ولكن ويا للأسف جارك هو الذي بلغ فيك.. واسمه كذا"!!
ساعتها فقط سوف أدعو على الحكومة والمسئولين وكتب السياسة وكتب التاريخ، ولن أبلغ في أي مخالفة تمر أمامي وسأتحول إلى مواطن سلبي.. لا علاقة لي بمن يلقي مخلفاته في النهر أو البحر أو الشارع.
فكيف يعقل أنني إذا بلغت في مخالفة لجاري.. تقوم الحكومة بالإبلاغ عني ولا تبقي اسمي سرًا.. بل أحيانًا يكون اسمي في متناول كل أفراد القرية وفضيحة بجلاجل، وتتحول القضية وتزاح المشكلة من على الشخص المُخالف إلى الشخص الإيجابي الذي يبحث عن القانون وتطبيقه وعدله .
ما الذي سيحدث لو تفرق دم الشكوى بين جميع الجيران؟!.. ويتم إخفاء أسماء أصحاب الشكاوى.. فمثلا لو كان هناك فرح أو ورشة نجارة أو حدادة فبالتأكيد هذا صداع في رأس كل الجيران.. ما الذي سيحدث لو جعلنا الشكوى في رقبة الجميع وليس في رقبة شخص واحد فقط؟!
قضية أخرى يطرحها برج فيصل المحترق ألا وهي، قضية الحرائق الكثيرة في مصر.. فلقد شهدت مصر نحو 50662 حادث حريق في عام 2019 فقط.. وكانت القاهرة الأولى في نسبة الحرائق، وهذا منطقي وفقًا لانتشار العشوائيات وانتشار المصانع وكبر عدد السكان، ثم تلتها الإسكندرية بعدد 1561 حريقًا.
أكبر مشكلة في الحرائق هو أنها تلتهم ولا تبقي شيئًا يُستفاد منه، فلا هي مثل الحادثة التي تترك بعض المكونات تنفع مرة أخرى.. ولا هي مثل السرقة التي تضر المسروق وتفيد السارق.. ولا هي مثل الفقد الذي يضر الفاقد ويسعد الذي عثر عليها.. إنها النار التي لا تبقي ولا تذر إلا حطامًا في حطام، وبالتالي تأكل رأس المال.
قضية أخرى، وهي تنظيم الشوارع واتساعها واتساقها لمواجهة المخاطر والسلامة الأمنية وإتاحة الفرصة للدفاع المدني..
وقضية أخيرة هي سلامة المباني وكود البناء الخاص بها.. وتناسبها مع سعتها، فلا يعقل أن يكون برجًا يضم 108 شقق وليس لديه إلا سلم واحد فقط، ومصعد كهربائي واحد فقط..
القضايا كثيرة وتحتاج إلى مجهودات كبيرة وطرق مبتكرة للحل وأفكار جريئة، وفي النهاية لا يبقى إلا تطبيق القانون على الجميع حتى نصل إلى بر السلامة.
تويتر: @TantawiPress