كان الارتباط بين الراحلين الشاعر حسين السيد والموسيقار محمد عبدالوهاب واحدًا من أكثر العلاقات المميزة بين شاعر وموسيقار في مصر، لدرجة لا يُذكر أحدُ منهما من دون استدعاء الآخر. ويظل لقاء حسين السيد مع عبدالوهاب اللحظة الأهم في حياة الشاعر، لكن يظل لكل منهما خصوصيته وتفرده، وخلدت في وجداننا أعمال قدماها معًا لمطربين آخرين.
كان لقاء حسين السيد بمحمد عبدالوهاب في فيلم "يوم سعيد" سنة 1939 وهو الفيلم الرابع لعبد الوهاب بعد ثلاثيته: "الوردة البيضاء" و"دموع الحب" و"يحيا الحب".. ثم جاء فليمه الخامس "ممنوع الحب" ثم "رصاصة في القلب" وكان الفيلم السابع والأخير هو "لست ملاكا". وعند عرض أفلام عبدالوهاب اعتبارا من الفيلم الرابع وحتى الأخير، سنجد سيطرة كلمات حسين السيد التي جعلت تلك الأفلام أكثر إشراقا ومرحًا.
كانت موضوعات أغان عدة هي قصص محمد عبدالوهاب نفسه، وحكي لي حسين السيد بأن كلمات أغنية "لأ مش أنا اللي ابكي" تحديدًا هي قصة طلاق عبدالوهاب من زوجته الثانية إقبال نصار، سمعها منه على الهاتف، وبعدها بساعتين فقط، قرأها لعبد الوهاب على الهاتف أيضا، هو الذي أمسك بعوده ولحنها في اليوم نفسه.. وربما تذهب بنا الدكتورة حمدة في كتابها إلى قصة أخري لتلك الأغنية، وأنها نهاية نقاش ساخن مع زوجة الشاعر، استلهم منه مطلع الأغنية، وربما تكون قصتها أدق، أو حدث الأمران في الوقت نفسه..
ونعرف أن عبدالوهاب تعود على الطلب من حسين السيد كتابة أغان بموضوعات محددة يتطلبها الموقف الدرامي في العمل السينمائي، مثلما طلب في أول لقاء بينهما دبره الفنان عبدالوارث عسر في كواليس فيلم "يوم سعيد" كتابة أغنية لموقف محدد، فكانت "أجري أجري أجري".
ذلك المزاج والاحساس المرهف بين الشاعر والموسيقار تحول عند البعض إلى وصف "المؤلف الملاكي" على نحو ما جاء في كتاب الدكتورة رتيبة الحفني "محمد عبدالوهاب.. حياته وفنه، وأكدت أن "حسين السيد كان أقدر المؤلفين على التقاط المعني، وتحويله إلى كلمات تتمشي مع الموسيقى التي ألفها عبدالوهاب مسبقًا، ودام التعاون بينهما أكثر من أربعين عاما".
هنا تضع الحفني تصورًا مذهلًا عن تأليف الموسيقى عند عبدالوهاب، فهو يؤلف الموسيقى مسبقًا قبل الكلمات، ولن أناقش الحفني في هذا، لأنها كانت قريبة جدًا من عبدالوهاب، ولكنني سمعت من الشاعر الكبير أنه وبسبب من كتابة أغنيات الأفلام وفيما بعد أناشيد عن مناسبات وطنية، ثم اغاني مسرحيات ثلاثي أضواء المسرح، فإنه يستمع إلى الموقف الدرامي المطلوب للعمل، ويكتب تصوره للأغنية.
تلك القدرات المسرحية الفائقة هي التي جعلت الناقد الدكتور على الراعي يكتب بعد رحيل حسين السيد بأسبوعين فقط عن "المسرح الغنائي الذي ضيعناه" (مجلة المصور 11 مارس 1983)، بغض النظر عن نسبة الراعي إلى حسين السيد تأليف أغنية "البوسطجية اشتكوا"، بينما هي من تأليف أبو السعود الإبياري.
هذه البساطة التي كشفت عن حس مسرحي استعراضي لدي الشاعر، أعتبرها نقاد كبار موهبة أصيلة واضحة لديه على كتابة الشعر الغنائي الفكاهي القابل للتجسيد على المسرح أو السينما. وكتب الناقد الدكتور الراعي عن أغنية حسين السيد التي تُحدث المفاجأة اللذيذة المدوية بسبب ذلك المزج الطازج بين الجد والمزح، واستشهد الراعي في مقاله الرثائي بقدرة الشاعر على تقديم الفكاهة. وأشار إلى إسكتش "الحبيب المجهول"، وإلي براعة حسين السيد في المسرح الغنائي بأغنيات مسرحية "إنت اللي قتلت عليوه" لفرقة ثلاثي أضواء المسرح وغيرها من أعمال الثلاثي والفوازير.
ولو تعمقنا في شهادة الدكتور الراعي من حيث القدرة على بث روح الفكاهة في اغنياته، فإن الأمر ذاته ينطبق على الموسيقار محمد عبدالوهاب، الذي لحن أغنيات لا يصدق أحد أنه ملحنها، مثل "الحبيب المجهول" و"عيني بترف" و"أبجد هوز".. ومما لا شك فيه أن الاثنين عاشقان للمسرح الغنائي ولديهما ما يقدمانه له، لكنهما استعاضا عنه باسكتشات وأوبريتات وحوارات غنائية شهيرة مثل "حكيم عيون" وغيرها..
وقد لحن عبدالوهاب حوالي 400 أغنية، أكثر من نصفها غناها بنفسه، وذلك نقلا عن كتاب "محمد عبدالوهاب" الصادر في سلسلة قاعدة بيانات أعلام الموسيقى العربية (المشروع القومي للحفاظ على تراث الموسيقي العربية) الصادر عن مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار (رئاسة مجلس الوزراء) ودار الأوبرا (المركز الثقافي القومي ـ وزارة الثقافة) سنة 1995..
وشكلت "الطقطوقة" وهي أبسط أنواع الغناء معظم ألحان وغناء عبدالوهاب، أكثر من 40% من ألحانه (لحن 199 طقطوقة) منها 78 أغنية لحسين السيد. وقام بتلحين 82 مونولوج منها 17 لحسين السيد ولحن 13 ديالوج منها 9 لحسين السيد. وقام عبدالوهاب بتلحين 31 نشيدًا منها 10 لحسين السيد، و21 موالًا منها 3 لحسين السيد، كما لحن أربع برامج إذاعية غنائية كان باكورتها برنامج لحسين السيد (الصبر والإيمان) إخراج السيد بدير سنة 1954.