Close ad

التوتر بين واشنطن وموسكو لم يمنع تمديد معاهدة "ستارت الجديدة"

3-2-2021 | 18:28

وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 29 يناير الفائت، مشروع قانون أقره البرلمان الروسي بالإجماع في وقت سابق، لتمديد معاهدة "ستارت الجديدة" للحد من الأسلحة الإستراتيجية New START (Strategic Arms Reduction Treaty) مع الولايات المتحدة. وقد جاء ذلك بعد اتفاق مفاجئ وغير متوقع بين الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن ونظيره الروسي خلال أول محادثة هاتفية بينهما في 26 من الشهر نفسه، نص على تمديد هذه المعاهدة لخمس سنوات قادمة.

ويحسم هذا الاتفاق مسألة من أكثر المسائل تعقيدًا في العلاقات بين موسكو وواشنطن، خاصة بعد أن ثارت مخاوف عديدة في الأشهر الأخيرة من إمكانية انهيار منظومة الرقابة على الأسلحة النووية في العالم، مع حلول موعد انتهاء المعاهدة المذكورة في 5 فبراير 2021 من دون اتفاق على تمديدها بين أكبر قوتين نوويتين في العالم في ظل التوتر المتصاعد بينهما في الفترة الأخيرة.

وتهدف معاهدة "ستارت الجديدة"، التي وقعت في 2011 بين العملاقين النوويين، إلى الحد من الأسلحة النووية والصواريخ والقاذفات التي تقوم بإيصالها، حيث تُلزم واشنطن وموسكو بخفض رؤوسهما النووية المنشورة بحيث لا تزيد عن 1550 رأس، وهو أقل مستوي منذ عقود، وبالحد من أنظمة الإطلاق سواء كانت أنظمة صواريخ على الأرض (PU) أو على غواصات (SLBM) أو قاذفات مزودة بأسلحة نووية (TB).

وتشمل المعاهدة أيضًا إجراءات شفافية شديدة تلزم كل طرف بالسماح للآخر بتنفيذ عشر عمليات تفتيش لمواقع نووية إستراتيجية كل عام، والإبلاغ عن خروج الصواريخ الجديدة التي تشملها المعاهدة من مصانعها قبل حدوث ذلك بثمانٍ وأربعين ساعة، والإخطار بأي عملية إطلاق صواريخ باليستية قبل حدوثها.

وقد فشلت موسكو وواشنطن في الاتفاق على تمديد هذه المعاهدة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أرادت إدارته التوصل إلى اتفاق نووي أكثر شمولًا يضم الصين، لكن المحادثات مع موسكو كما مع بكين لم تؤد إلى نتائج. ومما فاقم من خطورة الأوضاع، قيام ترامب بسحب الولايات المتحدة من ثلاثة اتفاقات دولية أساسية في مجال الحد من التسلح النووي، وهى: الاتفاق النووي مع إيران، ومعاهدة الصواريخ البرية متوسطة المدى، ومعاهدة السماوات المفتوحة للتدقيق في التحركات العسكرية وحدود التسلح، مما دفع روسيا إلى الانسحاب بدورها من المعاهدة الأخيرة، الأمر الذي وضع جهود ضبط التسلح النووي في العالم أمام مفترق طريق خطير.

اتهامات متبادلة

في ضوء كل ذلك، يشكل تمديد معاهدة "ستارت الجديدة" أول تقدم دبلوماسي بارز منذ سنوات في العلاقات الأمريكية - الروسية، والتي وصلت إلى أدني مستوي لها منذ نهاية الحرب الباردة نتيجة خلافات متواصلة حول ملفات دولية عدة. فمن ناحيتها، تتهم واشنطن موسكو بشن هجمات سيبرانية "غير مسبوقة" على عدد من الوزارات والشركات الأمريكية المهمة، كما نشر عدد من وسائل الإعلام الأمريكية تقارير عن قيام روسيا بتقديم مكافآت لقتل الجنود الأمريكيين في أفغانستان، وعن تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لدعم ترامب.

ومن جهتها، أدانت موسكو انسحاب إدارة ترامب من معاهدة السماوات المفتوحة، ومن خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني، وموقفها غير التعاوني في تسوية الأزمة الداخلية في أوكرانيا، واستمرارها في فرض العقوبات الاقتصادية على البلاد. كما تتهم موسكو أيضًا واشنطن بالتدخل في الشئون الداخلية الروسية، والسعي وراء إشعال جولة جديدة من جولات "الثورات الملونة"، بعد أن انتقد مسئولون أمريكيون في واشنطن مؤخرًا حملة الشرطة الروسية على المتظاهرين الذين يدعمون المعارض السياسي نافالني، حسبما ذكرت صحيفة "موسكو تايمز". بل، واتهمت الخارجية الروسية السفارة الأمريكية في موسكو بالتحريض على الفوضي، وتم استدعاء السفير الأمريكي في موسكو جون سالفان، لإبلاغه برسالة الامتعاض الروسية من تدخل السفارة الأمريكية في الشئون الداخلية الروسية.

وفي ضوء كل هذه الاتهامات المتبادلة، يتوقع عدد من المراقبين أن يفرض تمديد معاهدة "ستارت الجديدة" درجة أكبر من الثقة المتبادلة بين واشنطن وموسكو، بما يمكن أن يمنع الانخراط في سباق تسلح يستنزف القدرات الاقتصادية للدولتين، خاصة في ضوء صراعهما الحالي لمواجهة الآثار الاقتصادية والصحية لتفشي وباء "كوفيد- 19".

كما أن هذا التمديد من شأنه أيضًا، حسب هؤلاء، تخفيف التوتر مع روسيا، مما سوف يسمح للرئيس بايدن بالتركيز، في بداية حكمه، على المنافسة مع الصين والتوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، واحتواء التهديد الذي يواجه حلف الناتو. كما سوف يساعده أيضًا على التفاهم بشأن قضايا مهمة أخري للبلدين، مثل التغيرات المناخية، والتصدي للإرهاب والأمن الإقليمي في الشرق الأوسط.
مستقبل صعب
ورغم هذه التوقعات بالغة التفاؤل، ليس من المرجح أن يؤدي تمديد معاهدة "ستارت الجديدة" إلى إحداث نقلة نوعية كبيرة في العلاقات الأمريكية- الروسية، حيث يتوجس الكرملين من العقيدة السياسية للمقيم الجديد في البيت الأبيض وما تحمله من رواسب الحرب الباردة، وإعادة اعتبار روسيا تهديدًا أساسيًا للولايات المتحدة. ومما يؤشر إلى ذلك، حرص بوتين، وهو من بين آخر من وجه التهاني لبايدن بين زعماء العالم، في أواخر ديسمبر الماضي، على تأكيد أنه لا ينتظر تغييرًا جذريًا في العلاقات بين موسكو وواشنطن في ظل الإدارة الجديدة. كما توقع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن تعمل الإدارة الجديدة على تنشيط سياسات "احتواء روسيا والصين" من أجل مواصلة "نهج تعزيز الهيمنة الأمريكية".

علي أية حال، يمكن النظر إلى اتفاق تمديد معاهدة "ستارت الجديدة" باعتباره تطبيقًا لمفهوم الاسترضاء أو المهادنة Appeasement، والذي شاع في علم العلاقات الدولية. ويستند هذا المفهوم إلى إتباع سياسة خارجية تقوم على تقديم تنازلات سياسية أو مادية للخصوم من أجل تجنب الصراع وإحلال السلام. فقد تتجه الخصومات الطويلة بين الدول إلى الحل والانفراج نتيجة تقديم التنازلات المتبادلة بين الأطراف المعنية.

إلا أن سياسة المهادنة والاسترضاء من جانب إدارة بايدن تجاه موسكو سوف تواجه تحديًا رئيسيًا، وهو تمسك الأولي بقيم نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والليبرالية السياسية في روسيا. فهل تبتعد الإدارة الأمريكية الجديدة عن رفع الشعارات البراقة وتتسم بالواقعية في التعامل مع قضايا مثل الأسلحة النووية، والحرب على الإرهاب، حتي ينعم العالم بالسلام والاستقرار؟

نقلاً عن 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: