يعد نجاح مصر فى تنظيم بطولة كأس العالم لكرة اليد، فى ظل أجواء كورونا، بمثابة أحد الإنجازات المهمة التى يجب البناء عليها وتعظيم الاستفادة الاقتصادية منها. خاصة انه بمجرد قيام احدى البطولات الدولية او الاقليمية او حتى المحلية، فانها تصبح الشغل الشاغل والمحور الاكثر اهتماما لدى قطاع عريض من المجتمع.
ولاتقتصر هذه الظاهرة على مصر وحدها بل هى ظاهرة عالمية بكل المقاييس.ومع تسليمنا الكامل بخصوصية ووضعية كرة القدم على الصعيد الشعبى العالمي، إلا أن الأرقام والمؤشرات الدولية توضح لنا المدى الذى وصلت إليه الرياضة كصناعة اقتصادية، واتساع نطاقها بصورة كبيرة. اذ قامت اكثر من 80 دولة ببث المباراة النهائية وشاهدها نحو 2 مليار شخص حول العالم.
وهذا ان دل على شيء فهو يدلنا على الدور المهم الذى تلعبه الرياضة فى المجتمع ككل، وليس أدل على ذلك من التطور فى الدورات الاوليمبية ففى عام 1896 (اى الدورة الاوليمبية الأولى التى عقدت فى أثينا) لم تشارك سوى 13 دولة نحو 285 رياضيا فى تسع رياضات بينما فى ريودى جانيرو2016 بلغ عدد اللجان الاوليمبية المشاركة نحو 201 لجنة وشارك عشرات الآلاف من الرياضيين وشاهدها نحو ثلاثة مليارات نسمة.
وقد ظلت النظرة الى الرياضة على مدى عقود كثيرة، لاترى فيها الا كونها وسيلة ترفيهية أو لتمضية أوقات الفراغ لدى الشباب وغيرها من المفاهيم السائدة. ولهذا وحتى الآن توضع الانشطة الرياضية والوحدات العاملة فى مجال الرياضة ضمن بند الرياضة والتسلية والترفيه، فى تعداد المنشآت العاملة فى المجتمع. وذلك على عكس الواقع المعيش حاليا اذ اصبحت الرياضة صناعة بالمعنى الحرفى للكلمة فدخلت فيها الشركات الكبرى وآليات الربح والأسواق. بل واصبحت إحدى فروع التجارة فى الخدمات التى تنضوى تحت لواء منظمة التجارة العالمية. فإذا ما أحسنا التعامل معها فيمكنها أن تشكل احد مصادر الدخل الاساسية. خاصة، ان مصر تملك سوقا استهلاكية كبيرة تحتاج لاستثمارات ضخمة فى هذه المجالات.
مع ملاحظة أننا نتحدث عن الرياضة كصناعة خدمية، تؤثر فى الاستثمار القومى ومن ثم النمو، وكذلك فى معدلات التشغيل ومحاربة البطالة، فضلا عن آثارها على التنمية البشرية خاصة الانفاق العام على الجوانب الاجتماعية (الصحة والتعليم) والاثر على الموازنة العامة للدولة (الانفاق العام والايرادات العامة) فإذا ما توجه الاهتمام نحو بناء الإنسان المصرى فان ذلك سيعود بالنفع على المجتمع ككل ويؤدى إلى إحداث النهضة التنموية المرغوبة، وهو ما لن يتأتى إلا عبر الاهتمام بالمحاور الأساسية لبناء هذه القدرات ونقصد بها تحديدا التعليم والصحة، وفى هذا السياق تأتى الرياضة أيضا باعتبارها إحدى الأدوات الداعمة لهذه المسألة.حيث تسهم الرياضة فى بناء الإنسان الصحيح الخالى من العلل والأمراض وهو ما يمكنه من الاستمتاع بحياة أفضل، وهو المفهوم الأساسى للتنمية البشرية التى يتحدث عنها الاقتصاديون باعتبارها معيار تقدم الدول. وهنا نلحظ، على سبيل المثال ان معظم الاقطار العربية تحتل مرتبة متأخرة فى دليل التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الانمائى للامم المتحدة.بل والاهم من هذا ان هناك تدهورا ملحوظا للغاية فى بناء الشباب، وأن هناك تراجعا شديدا فى مستوى اللياقة البدنية والتركيب الجسدى وغيرها من الأمور المهمة، الأمر الذى ينذر بأوضاع غير محمودة العواقب. ويدق لنا ناقوس الخطر لنعيد الاهتمام بضرورة الإسراع ببناء الإنسان القادر على مواجهة التحديات والتغيرات الإقليمية العاصفة والقادمة مع رياح التغيير العاتية التى نمر بها فى القرن الحادى والعشرين.
وجدير بالذكر أن الهرم السكانى فى مصر يغلب عليه الطابع الشبابى وهى ميزة كبرى إذا ما استطعنا التعامل معها بطريقة تنموية صحيحة. وهنا تشير الإحصاءات إلى ان عدد السكان اقل من 15 سنة تصل نسبتهم الى 34 % من اجمالى السكان، بينما يبلغ عدد السكان فى الشريحة العمرية بين 15 عاما و24 عاما إلى 18 % من الاجمالي، ليصل عدد هذه الشريحة ككل الى 52% من اجمالى السكان، والشريحة العمرية بين 25و49 سنة تصل الى 33% من الاجمالي، وهى الشريحة الأساسية التى تتوجه إليها الاستثمارات الرياضية رغم أننا نؤمن بأن الرياضة للجميع ولكن المقصود هنا هو ان هذه الشريحة هى التى يمكن الاستثمار فيها أفضل استثمار ممكن. كما ان الرياضة أصبحت تلعب دورا مهما ومؤثرا فى المجال السياسى سواء تمثل ذلك فى حالات الانتشاء الوطنى التى تسود الأوطان لحظة الفوز بإحدى البطولات الدولية المهمة (وخير دليل على ذلك ما نشاهده من حالة التفاف قومى حول الفرق الوطنية، فى أثناء البطولات القارية، وكان آخرها ماشاهدته فرنسا حين فاز منتخبها الوطنى والذى كان يضم خليطا من أجناس مختلفة عربية وافريقية وأوروبية، بكأس العالم عام 2014 الذى أدى الى خفوت النعرات العنصرية تجاه المهاجرين). فالرياضة تنقل مجموعة لابأس بها من القيم الأساسية التى يحتاجها المجتمع لبناء الأمة مثل تنمية روح التعاون والتضامن، والتدريب على المنافسة واحترام الآخر والقوانين وغيرها وبالتالى أصبحت ظاهرة اجتماعية شاملة يظهر فيها الانتماء والهوية والوضع الاجتماعى بل وأيضا بعض الأدوار السياسة والاقتصادية.
وبالتالى فإن الاهتمام بالرياضة ومن ثم الاستثمار فى الصناعات الرياضية يعد احدى الآليات الأساسية لنهوض المجتمع. خاصة فى ظل الاقبال الشديد عليها، خلال الآونة الحالية. والذى ينقسم الى استثمار مباشر وهو المتعلق ببناء البنية الاساسية للاندية ومراكز الشباب والمدن الرياضية عبر شركات المقاولات وغيرها. فضلا عن الاستثمار فى المجالات ذات العلاقة مع الانشطة الرياضية مثل الملابس الرياضية والمستلزمات الرياضية (مصانع النجيل الصناعى وغيره) والاستثمار فى الاعلام الرياضى المرئى والمسموع والاليكتروني، والسياحة الرياضية، بل وفى الطب الرياضى والمستشفيات الطبية
والسؤال الذى يتبادر إلى الذهن هو كيف يمكن إحداث هذه النقلة فى المجتمع؟ وعلى الرغم من أهمية هذا التساؤل فإن الإجابة عنه ظلت محدودة للغاية وتدور جميعها بشكل أو بآخر فى قصر المفهوم على كرة القدم وليس الرياضة ككل.