Close ad

رؤيتى لـ «القرن الحادى والعشرين» (364) مولد نخبة قادمة

26-1-2021 | 11:49
الأهرام اليومي نقلاً عن

نحن أصبحنا من الماضي.. عبارة قالها الزعيم الدرزى وليد جنبلاط إثر انفجار ميناء بيروت فى 4 أغسطس من عام 2020 والذى قيل عنه إنه مماثل لقوة القنبلة النووية التى ألقيت على هيروشيما فى 4 أغسطس من عام 1945، أى فى اليوم ذاته الذى انفجر فيه الميناء ولكن بعد خمسة وسبعين عاما بلا زيادة أو نقصان. ومن هنا يستحق ذلك اليوم أن يكون يوما كوكبيا نحتفل به فى كل عام، ويكون الاحتفال به رمزا على موت النخبة التى قال عنها جنبلاط إنها قد ماتت. وإذا كان جنبلاط يقصد النخبة اللبنانية فهذه النخبة، على نحو ما أري، مماثلة لأى نخبة على مستوى كوكب الأرض. ومن هنا يمكن القول إن عبارة الزعيم الدرزى هى عبارة كوكبية بعد إضافة طفيفة فتكون كالآتي: نحن وغيرنا أصبحنا من الماضي, وذلك بسبب تماثل التحديات أو بالأدق تماثل التناقضات.

وقد عاصرت هذه التناقضات ابتداء من عام 1974 وكانت بدايتها فى لبنان عندما دعيت فى ذلك العام للمشاركة فى تدعيم العلمانية. وبمجرد خروجى من مطار بيروت فى سيارة المطران جورج خضر الذى كان فى حينها أسقفا لإبراشية جبل لبنان وإذا بالفوارق الطبقية بارزة فسألت المطران: هل ثمة احتمال لنشوب ثورة اجتماعية أو فتنة طائفية؟ وجاء رده حاسما:هذا الاحتمال أمر محال. سألته: لماذا؟ قال: بسبب التعايش الطائفي. وكان ردي: التعايش الطائفى ينطوى على نقيضه وهو الفتنة الطائفية، وقد كان، إذ اندلعت الحرب الطائفية بعد الزيارة بعام واستمرت خمسة عشر عاما.

وفى ذلك العام ذاته أصبحت على وعى بالعلاقة العضوية بين ما أطلقت عليه فى حينها الرأسمالية الطفيلية والأصولية الدينية. وتبريرى لهذه العلاقة مردود فى بدايته إلى نشأة شركات توظيف الأموال التى ترفض فائدة البنوك الثابتة لأنها ربا وتأخذ بالفائدة المتحركة التى قد تنتهى بالخسارة التى يتحملها المساهم فى مثل هذه الشركات. وكانت الأصولية الإسلامية مؤيدة ومدعمة لهذه الشركات. وكانت النتيجة الحتمية إفلاس البنوك الحكومية وخلق بنوك موازية تسمى السوق السوداء المشبعة بملايين الدولارات.

وفى عام 1979 أعلنت فى مؤتمر دولى عقدته فى القاهرة تحت عنوان: الإسلام والحضارة عن تناقض صارخ يكمن فى أن الفيلسوف الإسلامى العظيم ابن رشد ميت فى الشرق وحى فى الغرب على نحو ما جاء فى بحثى المعنون: مفارقة ابن رشد, باعتبار أنه مغترب فى عالمه الإسلامى ومنحوت فى مسار التقدم فى العالم الغربي. وقيل فى حينها إننى سيئ النية وأوظف ابن رشد فى صراع متخيل بين الشرق والغرب.

وفى عام 1986 أعلنت أمام كبار الفلاسفة من الشرق والغرب أن الأصولية الإسلامية تنشد القضاء على المعسكرين الشيوعى والرأسمالى مع البداية بالمعسكر الشيوعى الذى كان قد اشتبك فى حرب مع جماعات جهادية فى أفغانستان فى عام 1979، وبعد ذلك تشتبك مع المعسكر الرأسمالى وتجهز عليه وكل ذلك من أجل استعادة الخلافة الاسلامية. فقيل فى حينها إننى متشائم لأن المسار العقلانى للحضارة الانسانية كفيل بمنع هذا الكابوس. ومع ذلك كان العكس هو الصحيح فقد اختفت الكتلة الشيوعية فى عام 1991 ودخلت بعدها الكتلة الرأسمالية فى أزمة دينية واقتصادية: دينية بحكم تغلغل الإخوان فى جميع مؤسسات دول كوكب الأرض واقتصادية بحكم بزوغ سوق غير رسمية محكومة برأسمالية طفيلية.

وفى عام 1997 أعلنت فى حوار لويزيانا الذى انعقد بكوبنهاجن عاصمة الدنمارك أن الصراع العربى الاسرائيلى محكوم بأصوليات ثلاث: اليهودية والمسيحية والاسلامية. وإذا أردنا القضاء على ذلك الصراع فعلينا تأسيس تيار علمانى تكون مهمته نسف التيار الأصولى فى الحد الأقصى أو إضعافه وتفكيكه فى الحد الأدني. وإذا بأصوليين من المشاركين فى ذلك الحوار أحدهما من حماس والآخر من الليكود يتفقان بالرغم من العداء الجذرى بينهما على مهاجمتى إلى حد المطالبة باستبعادى من الحوار. وفى عام 2001 شاركت فى ملتقى الفكر العربى الذى انعقد فى جامعة الدول العربية تحت عنوان: حوار الحضارات: تواصل لا صراع, وجاء فى كلمتى التى ألقيتها أن المقاومة المشروعة إذا تلوثت بالأصولية الدينية تصبح موضع شك. وهى عبارة مهذبة فى نقد المقاومة الإسلامية المتمثلة فى الاخوان وحزب الله و حماس باعتبار أنها لم تتلوث فقط بالأصولية بل توحدت معها. ومن هنا يكون التناقض حادا بين المقاومة المشروعة بلا أصولية والمقاومة غير المشروعة المدعمة بالأصولية. ولم يحدث أى تعليق من المشاركين بل صمت يشى بالتجاهل. ومع ذلك ففى اليوم الثانى من المؤتمر قال الفيلسوف الجزائرى محمد أركون: علينا أن ننتبه إلى عبارة مراد وهبة, وحدث صمت للمرة الثانية. وكانت النتيجة المأساوية بعد ما يقرب من عشرين عاما انفجار ميناء بيروت فى 4 أغسطس من عام 2020 بفعل مدبر. وتأسيسا على ذلك كله يمكن القول إن النخبة القائمة لم تعد صالحة لمواجهة ما ينشأ من تناقضات على غرار التناقضات القائمة. ومعنى ذلك أن عمرها الافتراضى قد انتهى وبلا رجعة. ومن هنا تكون عبارة الزعيم الدرزى وليد جنبلاط صائبة ويلزم الالتزام بها من أجل استدعاء وضع قادم من قبل نخبة قادمة لإحداث ثورة فكرية ليس فقط على مستوى لبنان إنما أيضا على مستوى كوكب الأرض خالية من الأصولية ومملوءة بالعلمانية من غير مراوغة أو مواربة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
رؤيتي لـ «القرن الحادي والعشرين» (368) .. باكستان في مسار قرنين

قرأت خبرًا تاريخيًا فى صحيفة الأهرام بتاريخ 18 فبراير من هذا العام تحت عنوان: تنسيق مكثف مع باكستان لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، ومع الخبر حوار مع وزير

رؤيتي لـ «القرن الحادي والعشرين» (367) رؤية مغايرة للبرلمان القائم

الرأي عندي أن هذا البرلمان يلزم أن يقال عنه إنه نسيج وحده، أي مغاير عن كل البرلمانات السابقة في أنه يأتي في سياق عبارة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسي في

رؤيتى لـ «القرن الحادى والعشرين» (346) مستقبلٌ بلا ماضٍ

الرأي الشائع أن مَنْ ليس له ماضٍ ليس له مستقبل. وأنا علي الضد من هذا الرأي بمعني أن مَنْ ليس له مستقبل لن يكون له ماض. والمغزي أن المستقبل من حيث هو آن

رؤيتي لـ «القرن الحادي والعشرين» (342) رحيل فيلسوف المائة عام

غادر دنيانا في 24 فبراير من هذا العام فيلسوف كندا ماريو بونجى وعمره مائة عام. أرجنتينى الأصل، إذ وُلد في بيونس أيرس عاصمة الأرجنتين في 21/9/1919 وتخصص

الأكثر قراءة