Close ad

حسابات إدارة بايدن الصعبة مع إيران

26-1-2021 | 11:39
الأهرام اليومي نقلاً عن

باستلام الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن مهامه الرئاسية رسمياً ظهر الأربعاء الفائت بأمان دون حدوث ما يعكر صفو هذه المناسبة يمكن القول باطمئنان إن زمن الرهانات قد انقضى والآن تواجه كل الأطراف الحقائق وفى مقدمتها الأطراف الإقليمية فى الشرق الأوسط: إيران وإسرائيل والدول العربية، وقبلها بالطبع الإدارة الأمريكية الجديدة. ويمكن القول أيضاً وباطمئنان إن إيران هى من كسب الرهان الذى شغل المنطقة بأسرها، رهان منع قيام إدارة ترامب بشن حرب ضدها تدمر فيها قدراتها النووية والصاروخية وتضع نهاية لتدخلاتها فى الشئون الداخلية بالدول المجاورة فى الإقليم.

دخلت إيران فى "معركة عض أصابع" مع إدارة ترامب مدعومة من إسرائيل، حيث فرضت الولايات المتحدة "أقصى عقوبات" مالية واقتصادية على إيران لإرغامها على الخضوع والقبول بالإملاءات الأمريكية، وحشدت أهم قدراتها العسكرية فى الخليج فى مواجهة استفزازية لإيران كى تقع إيران فى الخطأ وترتكب ما يبرر شن الحرب ضدها. اغتالت قاسم سليمانى قائد فيلق القدس أبرز علماء إيران النوويين محسن فخرى زاده. وشنت إسرائيل، حسب المرصد السورى لحقوق الإنسان 40 اعتداءً على الأراضى السورية خلال عام 2020.

وفى الأسبوعين الأخيرين فقط، أى فى ذروة الترقب للتصعيد بين واشنطن وطهران نفذت إسرائيل خمس هجمات ضد أهداف متنوعة فى الأراضى السورية. حدث كل هذا ولم تنجر إيران إلى «الفخ» أو «المصيدة» ظلت تراهن بصبر ودأب غير مسبوقين على انتهاء ولاية ترامب وعدم تمكينه من النيل منها. فى حين كانت إسرائيل ودول عربية حليفة تراهن على أن ترامب سيقضى، قبل رحيله، على الخطر الإيرانى. انتهت الرهانات برحيل ترامب وبقاء إيران كما هى، لكنها باتت تملك، بدرجة كبيرة، أن تفرض على الأطراف الإقليمية أن تطرح سؤال وماذا بعد مع مجىء إدارة أمريكية جديدة كان رئيسها نائباً للرئيس الأمريكى باراك أوباما ومشاركاً بالتبعية فى الوصول إلى الاتفاق النووى مع إيران عام 2015. المؤكد أن هذه الأطراف معنية بالإجابة عن هذا السؤال، لكن إيران هى الأخرى معنية بالإجابة عنه خصوصاً فى ظل حدوث متغيرات جديدة مهمة باتت تدفع وتضغط على الرئيس الجديد وإدارته لمنعه من الاندفاع للتوجه نحو إيران والعودة إلى الاتفاق النووى.

خصوصاً أن إيران ترفض أى تفاوض على اتفاق جديد، وتصر على العودة الأمريكية لهذا الاتفاق بالشروط التى تريدها هى وبالتحديد الإلغاء المسبق لكل العقوبات التى فرضتها عليها إدارة دونالد ترامب. من أهم هذه المتغيرات الجديدة يمكن الإشارة سريعاً إلى خمسة متغيرات ستبقى كل منها فى حاجة إلى المزيد من التحليل العميق. أول هذه المتغيرات أولوية المطالب الداخلية الأمريكية التى من المرجح أن تستحوذ على أجندة الإدارة الجديدة على حساب السياسة الخارجية الأمريكية.

فى مقدمة هذه المطالب مواجهة جائحة كورونا، ومعالجة الخلل الفادح فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب الخطر الذى تمثله "ظاهرة دونالد ترامب السياسية" من تهديدات للسلام الأمنى والاجتماعى، والتعقيدات التى تحيط بخطط الديمقراطيين فى الكونجرس لمحاكمة ترامب، فى وقت يحتاج فيه الرئيس جو بايدن لدعم منافسيه الجمهوريين داخل مجلس الشيوخ للموافقة على المرشحين لإدارته من الوزراء وكبار المسئولين. المتغير الثانى هو التقارب الذى حققته إدارة بين إسرائيل ودول عربية، تقارب يدفع إلى الشراكة والتحالف الأمنى والاستراتيجى، ويجعل من إسرائيل "دولة جوار إقليمى" لإيران فى الخليج، خصوصاً إذا حصلت على قاعدة عسكرية فى إحدى هذه الدول، تقارب جعل إسرائيل توافق، وللمرة الأولى، على نشر منظومة القبة الحديدية للصواريخ الاعتراضية فى دول الخليج. هذا المتغير من شأنه أن يفرض على إدارة بايدن الأخذ بوجهات نظر الدول العربية الخليجية فى الاتفاق النووى ومطالبها فى اتفاق جديد شامل وإدماجها كطرف مشارك فى أى مفاوضات مستقبلية مع إيران حول قدراتها النووية والصاروخية وتدخلاتها فى الشئون الداخلية لهذه الدول. كما أنه يجعل من إسرائيل طرفاً مهيأ للمشاركة أيضاً فى أى مفاوضات مع إيران. ودون اندفاع إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق الأول الذى انسحبت منه إدارة ترامب.

أما المتغير الثالث فهو زيادة ثقل المتغير الأمنى فى حسابات الاتفاق النووى مع إيران بعد إدراج إسرائيل فى منطقة القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) الذى سيجعل من إسرائيل طرفاً مباشراً فى العمليات العسكرية لتلك القوات، ناهيك عن الجهود الاستخباراتية، الأمر الذى يفرض على واشنطن الاعتراف بإسرائيل كطرف فاعل فى تخطيط عمل تلك القيادة ضد إيران، ومن ثم الأخذ فى الاعتبار الاعتراضات الإسرائيلية على الاتفاق النووى الأول ومطالبها باتفاق جديد معدل. يأتى المتغير الرابع والخامس ليدعما قناعة إدارة بايدن بالتوجه إلى اتفاق جديد مع إيران أولهما يتعلق بتحولات الموقف الأوروبى من الاتفاق النووى المعطل والقبول بمطالب إدارة ترامب لتوسيع الاتفاق ودمج القدرات الصاروخية والتدخلات الإقليمية الإيرانية فى اتفاق جديد أوسع وأشمل، وثانيهما يتعلق بملاحظة إدارة بايدن وجود فتور فى العلاقات الروسية مع إيران ظهرت معالمه واضحة سواء بعدم اعتراض روسيا على الاعتداءات الإسرائيلية على إيران فى سوريا، أو بالانفتاح الروسى على إسرائيل فى بحث الحل السياسى للأزمة السورية التى تبقى على نظام الرئيس بشار الأسد شرط الخروج الإيرانى من سوريا، ناهيك عن طموحات روسية للمشاركة فى مفاوضات تخص فلسطين عبر قناة مع إسرائيل. متغيرات مهمة تجعل إسرائيل والحلفاء العرب أكثر اطمئناناً نحو إدارة بايدن، لكنها تضع هذه الإدارة فى تحدٍ أمام أى مشروع مستقبلى لاحتواء إيران، وإقرار سلام وأمن شرق أوسطى يحد من التورط الأمريكى فى صراعات عسكرية خارجية، ويوفر التفرغ الأمريكى لمواجهة الخطر الصينى فى جنوب شرق آسيا كأولوية استراتيجية أمريكية كانت حاكمة لإدارة أوباما ، وتضع إيران، ربما للمرة الأولى، فى مواجهة مع متغيرات جديدة تعرقل طموحاتها لجنى ثمار قناعتها بكسب معركة الرهانات مع إدارة ترامب وحلفائه الإقليميين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مفاوضات اصطياد إيران .. الفرص والمخاطر

يعتبر اليوم الثلاثاء (23 فبراير 2021) يوما فارقا بالنسبة لمسارات حل أو تأجيج الأزمة المتفجرة هذه الأيام حول الاتفاق النووى الذى وقعته «مجموعة دول 5+1»

خيار «الدبلوماسية المبدئية» اختبار لإدارة بايدن

فى أوج التصعيد المتبادل بين إيران من جهة والولايات المتحدة والدول الأوروبية الحليفة من جهة أخرى دفعت واشنطن بموقفين متناقضين بخصوص كيفية حل معضلة الأزمة المتفجرة حول الملف النووي الإيراني.

عقبات أمام الوساطة الأوروبية

يبدو أن إيران أدركت وجود عوائق كبيرة وحسابات معقدة أمام الإدارة الأمريكية الجديدة للعودة إلى الاتفاق النووى الذى انسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد

الأكثر قراءة