** لست من دعاة التشاؤم، ولكنني لست أيضًا من المفرطين في التفاؤل، يستوي عندي في ذلك المسائل الشخصية التي تتعلق بحياتي الخاصة، والمسائل العامة التي ترتبط بأية أحداث سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو رياضية.. وهذه الأخيرة هي التي تعنيني في هذا المقال..
بداية.. أعلم أن ملايين المصريين مهتمون بـبطولة العالم لكرة اليد التي تقام على أرض مصر الكنانة خلال الفترة من 13 إلى 31 يناير الجاري، وأن الكل يحلم، بل يتطلع إلى الفوز بهذه البطولة بحكم إقامتها على أرضنا، أو على أقل تقدير الوصول إلى المربع الذهبي لها، وهو الإنجاز الذي لم يحققه منتخب مصر منذ جيله الذهبي عام 2001 في البطولة التي أقيمت بفرنسا عندما احتل المركز الرابع في هذه البطولة، بل هو الإنجاز الذي لم يحققه الفراعنة في المرة الأولى التي أقيمت فيها البطولة عندنا عام 1999، حيث حصل وقتها على المركز السابع، وكانت هناك جماهير غفيرة تساند المنتخب في المدرجات، على عكس الحال اليوم، حيث تقام مباريات البطولة بدون جماهير!.
وكما قلت، لست من هواة "تكسير المجاديف" أو العزف على أوتار التشاؤم، ولكنني واقعي جدًا.. ومن حق القارئ أن أنقل له بأمانة الموقف، حتى لا يتعرض لصدمة، وحتى يكون واقعيًا مثلي، ويتقبل الأمور بتفهم ووعي، وهذا يدفعني إلى أن أستعرض معكم مشاركات مصر في النسخ المختلفة لبطولة العالم، حيث سنجد أن منتخبنا لم ينتظم في المشاركة في المونديال إلا منذ بطولة عام 1993 عندما أقيمت بالسويد، وحصلنا وقتها على المركز 12، ثم توالت مشاركات مصر بدون توقف في كل النسخ التالية، فحصلنا على المركز السادس في مونديال أيسلندا 1995 ونفس المركز في البطولة التي تليها في اليابان 1997، وعندما نلنا شرف تنظيم البطولة في 1999، لم نستطع الحفاظ على لقب سادس العالم الذي التصق بنا 4 سنوات، وكنا نباهي به الأمم!، وإنما أصبحنا في المركز السابع، وهو مركز "مش بطال برضه". وجاءت الطفرة في مونديال فرنسا 2001، عندما نضج منتخبنا وازدادت خبرات لاعبيه، فاحتل المركز الرابع، بفضل جيل ذهبي ربما لم ولن يتكرر، وقيل وقتها إن منحنى كرة اليد المصرية سيعاود الهبوط لحين تكوين جيل جديد قادر على المنافسة على مراكز متقدمة، وطال الانتظار، وأخذنا في التراجع في الترتيب في كل البطولات التالية على النحو التالي: مونديال البرتغال 2003 (المركز 15)، مونديال تونس 2005 (المركز 14)، مونديال ألمانيا 2007 (المركز 17)، مونديال كرواتيا 2009 (المركز 14)، مونديال السويد 2011 (14)، مونديال إسبانيا 2013 (المركز 16)، مونديال قطر 2015 (المركز 14)، مونديال فرنسا 2017 (13)، وعاد بصيص الأمل يبزغ من جديد في مونديال ألمانيا والدنمارك 2019، إذ تقدم منتخبنا إلى المركز الثامن، وكان هذا هو أفضل إنجاز لنا في آخر ثماني بطولات!.
أعود إلى بطولة القاهرة 2021، التي حرم فيها منتخبنا الوطني من أهم ميزة له وهي الجمهور الذي يسانده في الملعب والذي لطالما حقق المعجزات، ليس في كرة اليد وحدها، وإنما في كل اللعبات الرياضية الجماعية والفردية على السواء، وأقول: فلنشجع منتخب مصر بكل قلوبنا، مثلما فعلنا معهم وهم يلعبون بعيدًا عن الوطن في 2001 بفرنسا، عندما أحرزوا المركز الرابع، فلعل وعسى أن ينجحوا في تكرار الإنجاز، أو على الأقل التقدم إلى المركز السادس الذي عشنا على ذكراه سنوات، أو حتى المركز السابع الذي حققناه عندما كانت البطولة تقام على أرضنا عام 1999، في حضور الجماهير!. أما الذين يحلمون بما هو أبعد من ذلك، كالوصول إلى المربع الذهبي مثلاً، فمن حقهم أن يحلموا، وأنا معهم من الحالمين، ولكن دون أن نحزن أو نغضب أو نتعصب، عندما لا يتحقق الحلم. هو حلم جميل وكفى، فإذا ما تحقق خير وبركة وفرحة وبهجة وتهليل، أما إذا لم يتحقق، فهذا هو مستوانا الحقيقى!.
-----------------------------------
** "الكاريزما" لها مفعول السحر عند الناس، ويتضح ذلك أكثر في عالم السياسة والفن وأيضًا الرياضة، وما يعنيني هنا هو كاريزما نجوم كرة القدم، فهل ينسى أحد كاريزما صالح سليم "المايسترو" ومحمود الخطيب "بيبو" وحسن شحاتة "المعلم" وحازم إمام الكبير والصغير "الثعلبان" وفاروق جعفر "ملك النص"، وغيرهم عندما كانوا يصولون ويجولون في ملاعب كرة القدم؟!
ولكن فى مقابل هؤلاء النجوم أصحاب الكاريزما، هناك نجوم آخرون لم يتمتعوا بعشق الجماهير لهم، رغم ما حققوه من بطولات وألقاب، فقط لأنهم لا يتمتعون بهذه "الكاريزما" التى تجذب كالمغناطيس، ولا داعي لذكر أسماء بعض هؤلاء عندنا!!
ما دفعني لهذه المقدمة، هو حالة نجم فرنسي يقترب من أن يكون الهداف التاريخي لمنتخب بلاده، ولكنه لا يحظى بإعجاب الملايين من الفرنسيين، أو مساندتهم لأنهم لا يجدون فيه "كاريزما" الساحر ميشيل بلاتيني أو الملك تيري هنري أو المايسترو زين الدين زيدان.. أتحدث عن أوليفييه جيرو هذا الهداف الخطير الذي وصل إلى 44 هدفاً مع "الديوك" ولا يتبقى أمامه سوى 7 أهداف فقط ليصبح الهداف التاريخي لمنتخب فرنسا وليتفوق على هنري (51 هدفًا).. آه والله رغم أنه ليس محسوبًا ضمن نجوم الكرة العظام في العالم!!..
جيرو بجهده وعرقه وإصراره وكفاحه، نجح في أن يخرس الألسنة التي كانت تهاجمه على الدوام، والتي كانت تنتقد ديدييه ديشامب المدير الفني لمنتخب فرنسا لإصراره على إشراكه في المباريات، حتى وهو لا يلعب مع ناديه، ولم يكن ديشامب يعبأ بهذه الانتقادات لاقتناعه الكامل بمهارة جيرو فى تسجيل الأهداف، وكونه النموذج الأمثل لرأس الحربة الصريح، ومطبقًا المثل القائل: "اللي تغلب به، العب به" ولتذهب "الكاريزما" إلى الجحيم!!.