Close ad

أردوغان ومراجعة سياسة تركيا الخارجية

17-1-2021 | 11:18
الأهرام اليومي نقلاً عن

بدأ عام 2021 وتركيا تواجه عقوبات بمقتضي قانون مكافحة أعداء أمريكا (كاستا) وعقوبات أوروبية، وتأثيرات الوفاق الخليجي/العربي الذي تحقق في قمة مجلس التعاون الخليجي في العلا بالسعودية، واحتمالات تغير السياسة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس بايدن. لذلك، توقع المراقبون أن يقوم أردوغان بمراجعة توجهات بلاده الخارجية للتكيف مع هذا الواقع الجديد، مشيرين إلى أنه يُعتبر من أكثر قادة الشرق الأوسط قدرة على انتهاز الفرص، وتغيير مواقفه وفقا لتغير الظروف. على المستوى الدولي، أظهرت تركيا رغبة في تفعيل النهج الدبلوماسي فوافقت على عقد مباحثات مع اليونان وأبدت استعدادا لخفض التوتر العسكري في شرق المتوسط، وتحسين العلاقات مع فرنسا بعد مرحلة من العداء الإعلامي والسياسي العنيف، كما كشفت عن الرغبة في إعادة العلاقة مع إسرائيل إلى سابق عهدها من التعاون والصداقة. وجاء التطور الأكبر فى خطاب أردوغان أمام سفراء الاتحاد الاوروبى يوم 12 يناير 2021 بإعلان انه يريد فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الاتحاد على أساس التعاون والصداقة وأن هدفه مازال الانضمام لعضوية الاتحاد.

وعلى المستوى العربي، استفادت تركيا في السنوات الثلاث الماضية من الخلاف بين دول الرباعي العربي وقطر في تدعيم علاقتها بالدوحة، وزيادة التمويل القطري الذي صب في دعم اقتصادها لإخراجها من أزمتها والذي كان من مظاهره إيداع 10 مليارات دولار في البنك المركزي التركي، ودعم الصناعات العسكرية التركية، وتحمل نفقات التدخل العسكري في ليبيا.

وخلال هذه الفترة، شنت أدوات إعلام نظام أردوغان حملات ضد مصر والسعودية والامارات، وقامت بتأييد تنظيمات الإسلام السياسي المعادية لنظم الدول الثلاث ووفرت لها سبل الدعم السياسي والإعلامي. وهدد كبار مسئوليها هذه الدول بأنها سوف تدفع الثمن مقابل معارضتها للسياسات التركية في الشرق الأوسط وشرق المتوسط. ومع ذلك فبمجرد اعلان بيان قمة العلا، كانت تركيا من أوائل الدول التي رحبت بهذه المصالحة، وأشار بيان وزارة الخارجية التركية الذي صدر في اليوم نفسه إلي إن تركيا تعتبر نفسها شريكا إستراتيجيا لدول مجلس التعاون الخليجي، وابتعد البيان تدريجيا عن المواقف المؤيدة لإيران، وأظهر أن تركيا يمكن أن تقوم بدور الموازن للطموحات الإيرانية في منطقة الخليج. وبالطبع، فإن هذا التغير يخفي ورائه تطلع أنقرة لفتح أبواب السوق السعودية والإماراتية أمام بضائعها وصادراتها، ولتشجيع استثمارات البلدين في اقتصادها المنهك.

في هذا السياق، ظهرت مواقف جديدة من جانب أردوغان وكبار معاونيه. بدأ ذلك مبكرا بالنسبة لمصر. ففي سبتمبر 2020 غازل أردوغان مصر مشيرا إلى أن الحوار مع القاهرة ممكن، وأنه في حالة وجود مساحة مُشتركة للتفاهم بينهما بخصوص ليبيا وشرق المُتوسط، فإن تركيا لابُد أن تنظُرإلى هذا الأمر بصورة إيجابية مُضيفًا أنه توجد اتصالات غير علنية بين القاهرة وأنقرة. وفي لفتة إيجابية، أكد وزير الدفاع التركي أن مصر لم تتجاوز قواعد القانون الدولي في ترسيم حدودها البحرية مع جيرانها. وفي أعقاب زيارة وفد رسمي مصري إلى العاصمة طرابلس واللقاء بممثلين لحكومة الوفاق الوطني في 27 ديسمبر2020، صرح وزير الخارجية التركي بأن هُناك اتصالات بين البلدين على مُستوى أجهزة المُخابرات لتحسين العلاقات الثنائية. ولم تصدر عن القاهرة تعقيبات على حدوث مثل هذه الاتصالات، وأشار بيان للخارجية المصرية في سبتمبر الي أن نهج تركيا يفتقد إلى المصداقية.

وبالنسبة للسعودية، ظهر التغير في المواقف أكثر وضوحًا. فعلى هامش قمة مجموعة الدول العشرين التي نظمتها الرياض الكترونيًا وشارك فيها الرئيس أردوغان فى 21 نوفمبر 2020، وصف وزير الخارجية السعودي علاقة بلاده بتركيا بأنها طيبة ورائعة. أما بالنسبة للإمارات، فقد عبر وزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتي عن معنى مماثل وإن كان بقدر من التحفظ عندما صرح بأن تركيا هي شريك تجاري أساسي لبلاده ولا يوجد عداء لها، وحدد الخلاف معها بأنه يتركز حول نظرة تركيا إلى دورها الإستراتيجي، وأن أنقرة تريد أن تلعب دورا مهما في المنطقة وتوسيعه على حساب البلدان العربية.وتشير كل هذه التصريحات الى أن هناك تغيرات حدثت أو في طريقها إلى الحدوث، ويجري التفاوض بشأنها في العلاقات بين تركيا والدول العربية، ولا توجد غرابة في هذا الأمر ففي السياسة الدولية لا توجد صراعات أو خلافات دائمة وإنما يتعلق الأمر بنظرة كل دولة إلى مصالحها وكيفية صونها وحمايتها.

لقد كان الخلاف مع تركيا بسبب المواقف التي تبنتها وأنماط السلوك التي اتبعتها ومثلت تهديدا لعدد من الدول العربية. ولذلك، فإن تركيا لا تستطيع أن تحسن علاقاتها مع هذه الدول طالما استمر تدخلها في الشئون الداخلية للدول العربية، وتبنيها للعناصر المعارضة والمارقة ضد نظمها وتوفير الدعم لأنشطتهم، وتأييدها للتنظيمات والميليشيات المتطرفة من فصائل الإسلام السياسي والتي تمارس أعمال العنف والإرهاب، واستخدامها القوة المسلحة لفرض الأمر الواقع في شرق المتوسط، وتعويقها لعملية الوصول إلى حل سياسي للوضع في ليبيا.

وباختصار، فإن ما تتوقعه مصر من تركيا هو أفعال وليس أقوال، ويعني ذلك تغيير في مواقفها وأنماط سلوكها على أساس الاحترام المتبادل بين الدول وعدم التدخل في الشئون الداخلية والوصول إلى توازنات ومساحات تفاهم تصون الحقوق الأساسية لكل دولة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الثورة والمصالحة في الذاكرة التاريخية للجزائر

يتسم تاريخ الجزائر بعدة سمات يجعله فريداً بين كل الدول العربية. ففضلاً عن الاحتلال الفرنسى المبكِّر لها عام 1830، فإنه تم ضمها قانونيًا لتصبح إحدى مقاطعات

مصر في المؤشرات العالمية للحوكمة

أصدر المعهد القومى للحوكمة والتنمية المستدامة فى مصر تقريرًا فى يناير 2021 بعنوان تصنيف مصر فى مؤشرات الحوكمة. وهو عمل يستحق الاحتفاء به ومناقشته. وهذا

مصر والانخراط الفعال مع إدارة بايدن

أعتقد أن كثيرًا من دول العالم تقوم الآن بمراجعة لسياساتها الخارجية فى ضوء التوجهات الجديدة لإدارة الرئيس الأمريكى بايدن التى ظهرت خلال حملته الانتخابية،

المصري بطرس غالي وتطوير الأمم المتحدة

احتفل العالم بالأمس - 24 أكتوبر 2020 - بـالذكرى الخامسة والسبعين لولادة الأمم المُتحدة. ففي هذا اليوم من عام 1945، تم استكمال النصاب اللازم لتصديقات المجالس

ماكلوهان .. وأفكار مستقبلية عمرها 50 سنة

كتبت من فترة عن الفين توفلر وكتابه «صدمة المستقبل» الذي صدر عام 1970، وأثر على الفكر السياسي الاجتماعي ورؤية البشر لذواتهم ومجتمعاتهم.