لم يكن الراحل وحيد حامد مبدعا فقط، فقد كان الإبداع نفسه، ويكفى تصديه لقضية فيلم «سوق المتعة»، ويستعرض فيه كيف يتم تحويل الإنسان الذى كرمه الله الى إنسان مسخ.
تجسد الأحداث مأساة حياة عامل المطبعة البسيط أحمد أبوالمحاسن (محمود عبدالعزيز)، وبدأت نكسته عندما التقى فى حمام شعبى رسول عصابة كونية وعرض عليه مكافأة سبعة ملايين جنيه نظير حبسه 20 عاما، وسرعان ما وافق على العرض فماذا سيضره من السجن مقابل مبلغ ضخم سيعيشه فى نعيم بعد انقضاء المدة. وثمة شرط واحد للعصابة التى تدير كل شىء، وهو عدم السؤال عن زعيمها، وإلا كانت خاتمته مأساوية.
خرج أبو المحاسن من ظلمات السجن شخصا غريب الأطوار وشاذا عن المجتمع، ليمارس كل الموبقات والسلوكيات الشاذة التى تعلمها فى محبسه، حتى عندما خرج لعالم الحرية. وبدأت مأساته بالحنين الدائم الى رفقاء السجن وممارسة هواياته الشاذة بمتعة فائقة. فمثلا لم يستطع فى أول ليلة حرية له النوم فى جناح الفندق الفخم، رغم إرهاقه الشديد، فذهب لينام فى دورة المياه، التى فشل أيضا فى استخدام محتوياتها، لولا أن قضى حاجته فى صفيحة القمامة مثلما يفعل فى السجن. فهو أدمن النوم بجوار المراحيض التى كان يهوى تنظيفها، وكذلك المرأة ظلت بالنسبة له، خيالا يداعبه بشذوذ حتى وإن أصبحت حقيقة أمامه.
فشل أبو المحاسن فى التأقلم مع عيشته الفخمة الجديدة، واصطدم بواقع الحرية والغنى الذى لم يتعايش معه، فقرر أن يشترى قطعة أرض بعيدة ليبنى عليها سجنا مشابها للذى كان محبوسا به. وأحضر زملاءه السجناء وزعيمهم المفتري، والسجانين والمأمور، ليستعيد دوره المرمطون والأراجوز الذى عاشه مسجونا 20 عاما. وأخضع أبو المحاسن نفسه رغم امتلاكه السجن الموازى لأبشع أساليب التعذيب والمذلة من قبل من أرسل بطلبهم ليعملوا فى سجنه، وكان يشعر بنشوة وفرحة غامرة عند التعرض لتلك المعاملة التى اعتادها فى سجنه الإجبارى، فى محبسه الملاكي.
لم يتخلص أبوالمحاسن وهو حر ومليونير، من شذوذه وأمراضه النفسية بسبب قهره بالسجن، وعندما يندم على تحوله الى مسخ بعدما كان إنسانا طبيعيا، اكتشف أن ثمة عصابات تتحكم فى البشر وتسلب سكينتهم وتقودهم الى الجنون، بحجة أنهم قبضوا الثمن وليتحملوا خطيئتهم.