Close ad

أبناء «الكئيبة»!

6-1-2021 | 09:49
الأهرام اليومي نقلاً عن

في رائعة وحيد حامد «سفر الأحلام»، يصاب المهندس «عادل» بلوثة عقلية، لأن أوتوبيس النقل العام يقف في منتصف الشارع، وليس بجانب الرصيف!

عبثا يحاول سكان «البنسيون» المحيطون بـ«الباشمهندس» المختل إعادته إلى صوابه وإلى أسرته، وعبثا يحاول «بابا أنيس» كبير العائلة وصاحب البنسيون إقناعه بأن الإنسان السليم عليه أن يواجه صعوبات الحياة ويتحملها ويقهرها، بدلا من أن يستسلم لها، و«يستسهل» الإحباط، ويعيش هائما على وجهه في الشوارع، مجرجرا وراءه علمي أمريكا وإسرائيل، وهو يهذي بكلمات غير مفهومة، تاركا بيته ومستقبله.

في أعمال الراحل وحيد حامد، تكررت شخصية المواطن البسيط المقهور المضطهد الذي ينفجر في وجه مجتمعه، تماما على غرار ما فعله مايكل دوجلاس في فيلم «السقوط المروع» Falling Down عندما وجد نفسه يتحول من مواطن عادي إلى مجرم يطلق النار على الناس في الشارع، لأنه يكرههم جميعا، وأيضا مثل هاريسون فورد في فيلم «الهارب» The Fugitive عندما تحول من طبيب مشهور إلى متهم ملاحق بتهمة لم يرتكبها!
في كل أعمال وحيد حامد، لم يكن الظلم أبدا مبررا للعنف، ولم يكن القهر مبررا للاكتئاب.

في «الغول»، يرفض الصحفي عادل عيسى فساد رجل الأعمال الشهير فهمي الكاشف، ويطبق عليه القانون بنفسه، فيقتله بالساطور، ولكن الفيلم يختتم بعبارة من وكيل النيابة إلى صديق عمره الصحفي المتهم، يتأسف فيها لأن صديقه حارب قانون «سكسونيا» بـ«قانون الغاب»، الأسوأ منه.

في «الإرهاب والكباب»، يتعاطف موظفو وزوار المجمع مع حالة «أحمد فتح الباب»، ويخوضون معه مواجهة دامية مع «الداخلية»، كل له أسبابه، ولكن عندما تطالبهم الحكومة بعرض مطالبهم، لم يطلبوا سوى «الكباب»!
في «المنسي»، يتحول البطل إلى ثائر و«مخلِّص»، لإنقاذ سكرتيرة رجل الأعمال الفاجر، التي خطط «الباشا» لتقديمها «وليمة» مقابل إنهاء صفقة «قذرة» مع رجل أعمال فاسد، ولكنه لم يلجأ للعنف إلا دفاعا عن نفسه، وعن «السكرتيرة».

في «اللعب مع الكبار»، يتحول العاطل «حسن بهنسي بهلول» إلى بطل قومي، يبلغ الجهات السيادية بجرائم ستحدث، بهدف منعها قبل وقوعها، بدعوى أنه «يحلم بها»، ولكن «الكبار» يكتشفون أمره ويسارعون بتصفية صديقه «علي الزهار» مصدر الأحلام، فيصرخ «حسن» بجانب جثة صديقه ووسط طلقات الرصاص قائلا: «أنا هاحلم».

المرتان الوحيدتان اللتان تم فيهما تقديم العنف حلا للمظالم في أعمال وحيد حامد، كانت لهما ملابسات خاصة جدا.

الأولى كانت في فيلم «البريء»، ولكن مشهد النهاية فيه تم تغييره تماما قبل العرض، والثانية كانت في «عمارة يعقوبيان»، عندما تحول طه الشاذلي إلى قاتل، انتقاما ممن أهانه لمجرد أن والده «حارس عقار»، ولكن وحيد حامد كان في هذا العمل مجرد كاتب سيناريو، ولم يكن وحيد حامد صاحب القصة الأصلية!

أما في حالة «الباشمهندس عادل» في «سفر «الأحلام»، فقد كان الوضع مختلفا تماما.

«عادل» كان موضوع توبيخ وتقريع، بل، وفي نهاية القصة، اختار سكان البنسيون أن يمضوا في حياتهم، وأن يتعاونوا ويتكاتفوا، من أجل أن يحقق كل فرد منهم أحلامه، وتركوه هو مع إحباطه واكتئابه، وحيدا شريدا، في الشارع أو على الرصيف، لا يهم!
فإذا كان الفارق كبيرا بين الحق والباطل، والنقد والتطاول، والصراحة والوقاحة، والمعارضة والخيانة، والحرية و«السفالة»، فإن الفارق «شعرة»، بين الإحساس بالظلم، وبين الاستسلام لآلة الإحباط ومنظومة الاكتئاب التي يتم نسجها من حولك، واقعا، أو افتعالا، في هيئة خبر أو شائعة أو صورة أو فيديو أو تسريب أو هاشتاج.

في 25 يناير 2011، أو في سنوات الإحماء لها، ولدت أكبر وأضخم وأعنف منظومة «إحباط» و«اكتئاب» في تاريخ هذا البلد، وربما في تاريخ البشرية جمعاء، فلم يسبق أن تعرض بلد أو شعب أو أمة لهذا القدر من الاكتئاب «الاحترافي»، وهذه المنظومة المتكاملة من اليأس والإحباط والسواد.

عمل هذه المنظومة نجح باقتدار في 2011، وما زالت فعالة جدا حتى يومنا هذا، فقد صورت للمصريين، وما زالت تصور لهم، أن مصر وحدها هي التي تشهد حوادث وأمراضا وكوارث ووفيات دون باقي دول العالم، والغريب أن رائحة الكآبة هذه عادة ما تفوح أكثر في نفس أيام الذكرى «الكئيبة» من كل عام!

والمؤسف أن منظومة «المظلومية» هذه، سواء كانت صناعة «إخوانية» أو «ثورجية»، تبدو متوافقة تماما مع «هوى» قطاع كبير من المصريين من أبناء منظومة الكآبة، ممن يستلذون فكرة العيش على نهج «المهندس عادل»، بدليل أن مصر هي البلد الوحيد في العالم التي يقول فيها اللص والقاتل والفاسد «حسبي الله ونعم الوكيل»!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
فضيحة في «الزمالك»!

الجاهل جاهل على نفسه، فهذه مشكلته، ولكنه إذا أمسك قلما أو ميكروفونا، صارت هذه مشكلتنا نحن، لأن هذا معناه أن جريمة ما فى الطريق!

مشروع قومي لـ «الأخلاق»

أتوقع أن يكون مشروع السيسي القادم هو «الأخلاق».

عندما خسر الأهلي مواجهة «مصنع الكراسي»!

عفوا، فلست سعيدا على الإطلاق بهزيمة الأهلى أمام البايرن!

فضيحة هيلارى!

فضيحة هيلارى!