خلال إقامتي وعملي مراسلا لـ"الأهرام" في طوكيو (2001-2005) تشرفت بحضور ثلاثة مؤتمرات صحفية - نادرة - بـالقصر الإمبراطوري الياباني، اثنتين مع جلالة الإمبراطور أكيهيتو وقرينته ميتشيكو، والثالث مع الابنة الوحيدة الأميرة ساياكو، التي تنازلت - فيما بعد - عن حقوقها الإمبراطورية وتزوجت واحدًا من عامة الشعب.
تلك القصة المثيرة كانت الشغل الشاغل في بلاد الشمس المشرقة، وقتها، وتدور الأيام، وبعد مرور 15 عامًا من حدوثها، ينشغل اليابانيون - حاليًا - بحكاية مماثلة تتعلق بـ"نجلة ولي العهد"، الأميرة ماكو، التي وقعت في حب زميل الدراسة، وأبدت الرغبة في الزواج منه، برغم مشاغل الدنيا بجائحة كورونا والأزمات الاقتصادية.
السيد كومورو كيي، شاب من عامة الشعب، في مثل عمر الأميرة (29 سنة)، يعمل بمكتب قانوني، سافر في عام 2018 إلى أمريكا لمدة 3 سنوات للحصول على مؤهل للمحامين، وبعد صداقة امتدت لأكثر من 5 سنوات، قررت الأميرة ماكو الرغبة في التنازل عن حقوقها الإمبراطورية للزواج منه، وسط جدل وصخب عام، حول مدى كفاءته ومؤهلاته المالية والعائلية، وسلامة وشفافية سيرته وأفعاله.
الأميرة ماكو، ابنة الأمير أكيشينو، قرة عين جدها، أكيهيتو، وحفيدته الأولى، تتمتع بقدرات فذة وعالية من التأهيل العلمي، وتتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة، وناجحة في تأدية المهام الإمبراطورية، وتعمل باحثة خاصة في متحف طوكيو، وأنهت دراسة تاريخ الفن في جامعة أدنبرة، وفي قسم الدراسات العليا بجامعة ليستر، البريطانيتين، وتعرفت إلى زميلها كومورو في أثناء دراستها بالجامعة.
مشاعر الحب العميق بين الفتاة المتألقة والشاب الوسيم بدت بوضوح في المؤتمر الصحفي المشترك الوحيد الذي جمعهما بعد إعلان نيتهما الارتباط في أوائل سبتمبر عام 2017، حيث قالت الأميرة ماكو: "السيد كومورو هو شخص يشجعني بدفء.. وأول ما يجذبني إليه هو ابتسامته المشرقة، التي أعتقد أنها كالشمس.. وأيضًا جذبني إليه كفاحه مع امتلاكه لطريقة تفكير خاصة وإرادة قوية وتعامله مع الأمور المختلفة بقلب متسامح".
أضافت: "منذ سن مبكرة، عشت حياتي وأنا مدركة أن لحظة الزواج هي لحظة التخلي عن مكانتي الإمبراطورية، وفي ظل ذلك، قمت بمساعدة جلالة الإمبراطور، والعمل على أداء عملي كفرد في العائلة الإمبراطورية بقدر المستطاع، مع القيام بالاهتمام بحياتي الخاصة، وقام والداي -أيضًا - بدعمي وتشجيعي مع احترام طريقة تفكيري، وسأكون سعيدة إن استطعت أن أؤسس عائلة تنعم بالدفء والسعادة وتملؤها الابتسامة".
من جانبه قال السيد كومورو: "الأميرة ماكو هي كالقمر الذي يراقبني بهدوء، ومشاعرها عميقة، وجذبني إليها امتلاكها لإيمان راسخ، وأعتقد أن لقاء الأميرة هو أمر يترتب عليه مسئولية كبيرة، وآخذ هذا الأمر على محمل الجد، وتقوم الأميرة بمعاملتي دائمًا بشكل يجعلني أشعر بتلك الأمور، وبفضل ذلك استطعت أن أقضي وقتي معها حتى اليوم بمشاعر طبيعية جدًا، وأعتقد أنني أرغب في بناء عائلة تعيش حياة طبيعية وهادئة تمامًا".
نص الدستور الياباني يبيح الزواج طالما ثبتت الموافقة المتبادلة للجنسين، ووالدها، ولي العهد، الأمير أكيشينو، 55 سنة، قال: "إذا كان لديهما الرغبة الفعلية في الزواج.. فأنا بصفتي أحد الوالدين أحترم ذلك".
ولي العهد، نفسه، كان طرفًا - بشكل غير مباشر - في زواج شقيقته، ساياكو من أحد أصدقائه، يوشيكي كورودا، عام 2005، وهو من عامة الشعب، ويعمل في مجال التخطيط الحضري، وكان عمر العريس وقتها 40 عامًا، فيما كان عمرها 36 سنة، وقد تم تعويضها بمبلغ يوازي مليون دولار بعد تنازلها عن حقوقها الإمبراطورية.
إذن لا غرابة في مباركة ولي العهد وقرينته، الأميرة كيكو، بإتمام مراسم زواج ابنتهما ماكو، ولكن المشكلة تكمن في التفاصيل، التي تردد أنها كانت أحد أسباب تأجيل مشروع الزواج لسنوات، وأثرت على صحة الإمبراطور الوالد، أكيهيتو، نتج عنها، وغيرها، طلب إعفائه من اعتلاء العرش، فضلا عن مخاوف من تدشين عصر رييوا الجديد ببروز ملابسات وروايات غير مستحبة، تفاقم من الأزمة الوجودية التي تواجه عرش الأقحوان، بسبب النقص الحاد في الدم الإمبراطوري.
فعدد أفراد العائلة الإمبراطورية اليابانية لا يتجاوز 19 فردًا، غالبية صغار السن منهم من الإناث، ولم ترزق العائلة إلا بمولود ذكر واحد، هيساهيسو، في العقود الأربعة الماضية، وبموجب الدستور، الذكور فقط هم المسموح لهم بالجلوس على العرش، والإناث تفقدن وضعهن عندما تتزوجن، والتيار المحافظ يعارض منح الصفة الإمبراطورية للأزواج الذين لا يحملون الدم الامبراطوري وأطفال الأميرات.
الإمبراطور الحالي، ناروهيتو، 61 سنة، يحمل رقم 126، وهو بمثابة رمز مقدس للأمة اليابانية، في إطار مناخ ديني يقدس الأباطرة القدماء، يليه في ترتيب العرش الأمير أكيشينو، 55 سنة، وأخيرًا نجله الأمير الصغير، هيساهيسو، 15 سنة.
مشكلة المشاكل التي تثير الرأي العام الياباني ضد أسرة ولي العهد، وتنغص حلم الحبيبين، ماكو وكوموروا، تكمن في ظهور دين، لم تتم تسويته بشفافية، وتبلغ قيمته 4 ملايين ين، أي أقل من 40 ألف دولار، مستحق على عائلة كومورو كيي.
روى السيد كومورو خلفية هذا الدين بنفسه، قائلا: "قامت أمي وخطيبها السابق بإعلان خطوبتهما في عام 2010، لكن بعد سنتين طلب خطيب أمي السابق فسخ الخطوبة، كان الأمر مفاجئًا، ولكن تقبلته أمي، وعندما أخبرته بأنها ترغب بإعادة مبالغ الدعم المالي الذي تلقته منه، أخبرها بأنه لم يكن ينوي استرجاع تلك المبالغ، وأكد الاثنان أنه تم حل جميع المشكلات المالية، بما في ذلك الدعم والتعويضات، غير أنه عاد بعد سنتين لمطالبتها بسداد تكاليف فترة الارتباط"!!
الأميرة ماكو قررت أن تتصدى بنفسها لانتقادات المعارضين دفاعًا عن سيرة حبيبها كومورو، قائلة: "أعلم أنه لأسباب مختلفة هناك بعض الأشخاص الذين يعارضون هذه الزيجة، إلا أننا في حقيقة الأمر أصبحنا لا غنى لنا عن الآخر، وأصبحت الأوقات بحلوها ومرها تجمعنا سويا، ويجب أن نتزوج لأن هذا ما تمليه علينا مشاعرنا القلبية".
في حين قال والدها ولي العهد، أكيشينو: "لم تكن هناك مثل هذه الهجمات الشرسة ضد أفراد العائلة الإمبراطورية من قبل، وكنا نعتقد أن العائلة قد انتقلت بسلاسة إلى عصر رييوا الجديد، ولم نتوقع أن تتضخم قضية الزواج بهذا الشكل".
هل تكتمل قصة الحب الدرامية، ومشاعر الوله العنيفة، بين الأميرة اليابانية ماكو و"الشاطر" كومورو، بإتمام مراسم الزواج ؟ سؤال ينتظر الإجابة عليه بعد حين.
[email protected]