بمناسبة بلوغه قرنا من الزمان، يحكى وزير الخارجية الأمريكى الأسبق جورج شولتز(مواليد 13 ديسمبر 1920)، أنه أعد خطابا عن السياسة الخارجية وعرضه على الرئيس ريجان، فوجده يكتب هوامش عند بعض الفقرات قائلا: هنا قصة. سأله ماذا تقصد؟، فرد ريجان الممثل، الذى يعرف ماذا يستثير الناس: إضافة قصة ذات صلة من شأنها إشراك المستمع معك. لن تجذب عقله فقط بل عاطفته أيضا.
والحال أن الخطابات الرسمية العربية جافة لا تشعرك بالدفء العاطفى والتواصل مع المتحدث. لا تظهر من خلالها إنسانيته بل كلمات متراصة وإحصاءات وأرقام وتفسيرات مهمة لكنها لا تصل للجمهور، وبالتالى لا تحقق الغرض منها، وهو إشراك المواطن فيما يدعو المسئول إليه ويعتزم فعله.
قليلة جدا تلك الخطابات العربية التى يمكن تذكرها أو اقتباس بعض فقراتها. ميكانيكية باردة، لا تعكس المشاعر ولا تتضمن حكاية شخصية أو خاطرة تبنى رابطة عاطفية مع الناس. فى الغرب، تطورت كتابة الخطابات وأصبح الجمهور يميز بين سياسى وآخر من كلامه. الأرقام والاستراتيجيات مهمة، لكن الأهم كيفية توصيلها للناس وإقناعهم بها.
وزير أمريكى سابق للشئون الحضرية، لاحظ خلال إلقائه خطابا، عدم اهتمام المستمعين بكلامه، فخرج عن النص وتحدث عن تعرضه للسرقة، وهو وزير بأحد شوارع نيويورك، وكيف أن السارق بكى بين ذراعيه بعد القبض عليه.
نسى الناس كل ما قاله باستثناء تلك الحكاية ليكتسب شهرة كبيرة. أصبح إلقاء الخطابات فنا له قواعد وليس مجرد واجب لابد من تأديته. لم تعد الرسالة الرسمية المراد إيصالها هى الأهم بل الطريقة التى تصل بها، لذا يتفنن الخبراء فى تقديمها بشكل جذاب للناس، لإشعارهم بأن هذا السياسى منهم وليس من طبقة أخرى.
عندما يبدو المسئول إنسانا من لحم ودم، وعندما يقرأ رسالة من طفلة أو مسن أو يلقى مزحة، يزيح السياج الفاصل بينه وبين الجمهور ويبنى جسورا من الثقة، فيسهل عليه إشراكهم فى خططه وطموحاته. آفة الخطابات العربية، حالة الانفصام بين المرسل والمتلقى. لا يوجد شىء اسمه موضوع جاف. هناك متحدث جاف.
* نقلًا عن صحيفة الأهرام