منذ أيام احتفلت مصر بـاليوم العالمي لمكافحة الفساد بعدة فعاليات في جميع محافظات الجمهورية، وتم استعراض ما أنجزته الدولة من إجراءات للقضاء على الفساد الذي عشش في مفاصل الدولة لسنوات بل لعقود طويلة، وأثناء متابعتي لهذه الفعاليات سألت نفسي هل الفساد المادي الملموس مثل استغلال الشخص نفوذا أو سلطة أو وظيفة للحصول على مكاسب شخصية غير مستحقة أخطر على المجتمع أم الفساد الأخلاقي مثل الكذب والنفاق والتنمر والتحرش ورمي التهم بالباطل، تلك الممارسات الأخلاقية غير السوية التي سادت بيننا مؤخرا.
وهذا هو الفساد الأخطر لصعوبة علاجه والقضاء عليه لأنه متعلق بسلوك البشر ونفوسهم وأهوائهم الشخصية، وما أصعب التعامل مع النفوس البشرية المريضة وإصلاحها، أما الفساد الإداري أو المادي فقد اتخذت الدولة عدة إجراءات صارمة لمواجهته والسير خطوات للقضاء عليه، أهمها إعلاء مبدأ أن لا أحد فوق القانون والسجون خير شاهد، فبين زنازينها الوزير والمدير والمليونير والفقير لا أحد بعيد عن العقاب مادام مذنبا، فمازال الكثير من أصحاب المناصب يقعون تحت إغراء استغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية عن طريق الصفقات والرشاوي.
كان الاتجاه لتحسين جودة الخدمات والارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة أولي خطوات العلاج، ثم قامت الدولة بتنفيذ إستراتيجية التحول الرقمي في كل مؤسساتها لتقليل الاعتماد على العنصر البشري واستخدام نظم الذكاء الاصطناعي وإنشاء منصة مصر الرقمية للقضاء على الروتين والبيروقراطية وتقليل زمن أداء الخدمات الحكومية، وإحكام الرقابة المالية، كما تم وضع مدونات السلوك للعاملين بالجهاز الإداري للدولة وعقد دورات تدريبية لنشر قيم النزاهة والشفافية، وكذا مشاركة المؤسسات الدينية في نشر الوعي بخطورة الفساد، وإضافة مواد للمناهج الدراسية المختلفة تتناول الفساد وأثره على انهيار الدول وما يحدث في دول المنطقة الآن خير شاهد على دور الفساد السياسي في إضعاف هذه الدول وتقسيمها، وكيف أصبحت فريسة سهلة للإرهاب وأصحاب المصالح.
إن ما حققته مصر من إنجازات في جميع المجالات خاصة الاقتصادية ونجاحها في التعامل مع الأزمات يؤكد أنها تسير على الطريق الصحيح وتضرب بقبضة من حديد عنق الفساد والفاسدين.
* نقلًا عن صحيفة الأهرام