لم تعد كرة القدم كما كانت. ابتكر فنا جديدا لا علاقة له بأساليبها القديمة. هكذا كان مارادونا الذى أشعل حماسنا، فجعلنا أسرى عظمته فى الثمانينات. غفرنا له سقطاته. رفضنا، نحن الجيل الشاب الذى انبهر به، تصديق أن هناك لاعبا أفضل منه.
فى المباراة الشهيرة بين الأرجنتين وإنجلترا 1986، صنع المجد مرتين. سجل هدفا بيده. اعترف بعد ذلك بما فعل: قليل برأسى وقليل بيد الله. ثم جاء السحر بعد أربع دقائق. فى 10 ثوان و44 خطوة، شهدنا المعجزة. تلقى الكرة من منتصف الملعب. جرى وراءه 7 لاعبين. راوغ 5. خدع الحارس لتنزلق الكرة بالشباك. «عبقرى، عبقرى. من أى كوكب أتيت؟. أريد أن أبكى». لهج المعلق الأرجنتينى بالكلمات. انتصر وحده على الانجليز بعد هزيمة بلاده بـحرب الفوكلاند عام 1982.
مثل محمد على كلاى وأبطال الرياضة الاستثنائيين، لم يكن لاعبا فقط. المجد والدراما وعدم الانضباط والإدمان، فصول روايته. كما ألهى الرومان الناس بالسيرك والمصارعة، استغلته طغمة بلاده الحاكمة لصرف المواطنين عن مشاكلها. تضاءلت لحظة المجد «المارادونية» شيئا فشيئا.
نهايته الحقيقية جاءت عام 1994، بعد ثبوت تعاطيه المخدرات. انتهى مجده بالملاعب، وبدأت مأساته بالحياة. أصبح الجسد، الذى لم يصنه منتفخا وثقيلا.. مشاكل صحية وإدمان.. مشاكل أسرية وخلافات مالية.
خبا الضوء المبهر. لم تعد الأجيال الجديدة تسمع عنه سوى الفضائح. انبهرت بآخرين كميسى ورونالدو. بالنسبة لجيلى، مازال الأفضل. لا إراديا، ننسى مارادونا ما بعد منتصف التسعينات. نتشبث بلحظته الذهبية عندما سحر قلوبنا واستلب عقولنا.
أدباء ومفكرون وفلاسفة دخلوا فضاءه منبهرين. يقول الراحل محمود درويش عنه بعد فوزه بكأس العالم 86: «ماذا نفعل بعدما عاد مارادونا إلى أهله فى الأرجنتين. مع من سنسهر بعدما اعتدنا أن نعلق طمأنينة القلب وخوفه على قدميه المعجزتين؟. وجدنا فيه بطلنا المنشود. نصفق له وندعو له بالنصر، نخاف عليه وعلى أملنا فيه من الانكسار. رفع كرة القدم إلى مستوى التجريد الموسيقى.. لن يجد الأطباء دما فى عروقه، سيجدون وقود الصواريخ. يمر كالهواء عبر المساحات الضيقة». وداعا مارادونا.