Close ad

بورسعيد واليونانيون .. ذاكرة العدوان والنصر

22-11-2020 | 14:10

زيارة الرئيس الناجحة إلى اليونان والحفاوة التى أحاطت بها، وكيف أظهرت ما لمصر والمصريين من مكانه أعادت إلى ذكريات عزيزة فى مدينتى بورسعيد، وكيف كان اليونانيون أو الجريج كما كنا نطلق عليهم جزءا عزيزا من ابناء المدينة ... عشت طفولتى المبكرة أظن ان جارتنا اليونانية - التى كانت هى وأسرتها جزءا من أسرتنا - شقيقة أمى وهى كانت بالفعل شقيقة وان لم تكن من الرحم فمن روابط المحبة والتحضر وثقافة البحر المتوسط التى نشأت عليها أجيالنا وأجيال آبائنا وأمهاتنا وكيف كانت محالهم للبقالة وأفرانهم التى تخبز ما لم أذق طعمه فى أى مكان.

وتداعت الذكريات وما شهدته بورسعيد فى مثل هذه الأيام من شهر نوفمبر 1956 وحدثت فيها أعنف معارك العدوان الثلاثى على المدينة التى سقط فيها آلاف الشهداء تحت أنقاض البيوت والأحياء التى أغارت وألقت عليها قنابل حارقة طائرات العدو، رغم المقاومة الباسلة لأبناء المدينة وشاركهم المقاومة من كانوا داخلها من أعداد محدودة أو تسلل اليها من قوات نظاميه كانت وقائع ومعارك المقاومة تشتد كلما ازدادت شراسة العدوان على أمل إخضاع المقاومة وقدر العسكريون عدد الغارات الجوية على بورسعيد بنحو 800 غارة وعدد القطع البحرية التى اشتركت فى الغزو بضعف القطع التى شاركت فى انسحاب الانجليز من دنكرك وبلغ عدد القوات المنسحبة من بورسعيد يوم 23 ديسمبر 11 ألف جندى ...

أكتب وفق ما جاء فى الأطلس التاريخى لبطولات شعب بورسعيد 1956 هذا الإنجاز التاريخى الكبير لابن بورسعيد ومؤرخها ضياء القاضى والذى فى معرض ذكره لأسماء تشكيلات المقاومة الشعبية العشرة يذكر أن التشكيل الثالث كان من اليونانيين وتكون من 9 أعضاء وأنهم اشتركوا فى أكثر من عملية من عمليات المقاومة الشعبية مع التشكيلات الأخرى.

> فى مثل هذه الأيام من نوفمبر 1956 كانت شوارع المدينة غارقة فى دماء أبنائها والاهالى يحاولون دفن شهدائهم فى اماكن استشهادهم، ووسط أنقاض البيوت والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس التى أسقطتها غارات الطائرات البريطانية والفرنسية مستخدمين قنابل النابالم لحرق أحياء بالكامل .المدهش أن المقاومة الباسلة لأبناء بورسعيد أبادت بالكامل أول كتيبة مظلات أسقطها الإنجليز بمنطقة الجميل وتكونت من 250 ضابطا وجنديا ووصلت خسة الغزاة أنهم قاموا بضرب اللنشات والمراكب الشراعية التى حاولت تهجير الشيوخ والنساء والأطفال عبر بحيرة المنزلة .. وقائع المعركة تبين مقاومة كثير من النساء مغادرة مدينتهن وتكونت المجموعة العاشرة من المقاومة الشعبية من بورسعيديات فى مقتبل العمر وتحت وابل قنابل العدو تم تهجير الآلاف لإدراك المقاومة أنهم سيخوضون معارك عنيفة مع العدو الذى يحاصرهم ويقاتلهم بأسلحة وقوات برية وبحرية وجوية، بينما ليس لدى المقاومة وأبناء المدينة إلا بنادق متواضعة تم توزيعها عليهم مع بداية المعركة، وحاول العدو منع وصول صوت الإذاعة المصرية وجمع اكثر من 5 آلاف جهاز ترانزستور فانهالت المنشورات المطبوعة فى المطابع الوطنية لأبناء بورسعيد لنقل أخبار المعارك والانتصارات التى تحققها المقاومة التى تعددت أشكال تحديها للعدو وتنظيم مظاهرات كما حدث فى مثل هذا اليوم 22 نوفمبر 1956 عندما نظمت المدينة مظاهرة على هيئة جنازة صامتة على روح الشهيدين حسن سليمان حمودة ورمضان السيد وعلقوا دمى ضخمة من رقابها لقادة العدوان البربرى الذى استهدف عودة الإنجليز لاحتلال مصر وعودة فرنسا للاستيلاء على قناة السويس وإسقاط الثورة المصرية بعد المد الثورى التى أحدثته فى العالم.

> كتب كثيرة صدرت عن العدوان الثلاثى منها الطريق الى السويس ـ صدر فى نوفمبر 1961 تأليف أرسكين شيلدر، كتب فيه ان الغزوات الاستعمارية الغربية للعالم العربى ومنذ الحروب الصليبية وحتى عدوان 56 كانت لإضعاف العرب وابقائهم فى تخلف وتأخر لتظل السيادة للغرب عليهم، وكان التركيز على ضرب وإضعاف مصر خاصة بعد ثورة 1952 وآثارها المدمرة فى نظرهم على العالم العربى وإفريقيا والعالم الثالث بأكمله، وخططوا أنه اذا لم تقبل مصر إنذارهم ومطالبهم تبدأ وقائع العدوان ويفرض على جمال عبدالناصر إما أن يقبل ويستسلم أو يرسلوا قوه ضاربة تقتحم القاهرة لأسره لوضع العالم أمام الأمر الواقع!.

> هذا التدبير الشيطانى لمن خططوا للغزو الذى كتبه مؤلف كتاب الطريق الى السويس لم أكن أعرفه، ولكن لم يكن مستغربا على الاطماع التى وضعوها على العدوان وحجم القوات البرية والبحرية والجوية التى أرسلوها والتى أسقطتها المقاومة الباسلة، هذه الذكريات استدعتها زيارة الرئيس السيسى لليونان والحفاوة والتكريم لمصر فى شخصه وتقليده أرفع وسام يونانى والحياة والقواسم المشتركة التى عشناها سويا مع أبناء اليونان فى بورسعيد الذين كانوا جزءا أصيلا من سكانها وكانوا الأقرب من أبناء الجاليات المختلفة التى استوطنت بورسعيد والتى من المؤكد كانت وراءها أرصدة الحضارتين المصرية واليونانية التى جعلتهم فى مواجهة العدوان الثلاثى يسارعون إلى تكوين تشكيل من اليونانيين شارك فى كثير من عمليات المقاومة بما فيها ايام تأميم القناة ومؤامرة سحب الدول الغربية مرشديهم، حينما رفض المرشدون اليونانيون الانضمام لهم ووضعوا أيديهم فى ايدى المرشدين المصريين ونجحوا فى ألا يتوقف العبور فى القناة يوما واحدا.

> قراءة أوراق المقاومة تكشف المزيد دائما عن أسرار عبقرية قتال وانتصار مدينة صغيرة وجميلة مثل بورسعيد وكيف جعل أبناؤها استمرار بقاء قوات العدوان الثلاثى من المستحيلات رغم انهم حولوا أهم معالم المدينة إلى معسكرات لجنودهم وضباطهم الذين طالبوهم بربط أسلحتهم فى أيديهم خوفا من اختطاف الفدائيين لها وكيف ضربوا حتى المقابر واقتحموا المسجد العباسى وأطلقوا النار على من احتمى به من مسنين وأطفال وعزلت القوات الفرنسية مدينة بورفؤاد وأوقفت المعدية ومنعت سكانها من عبور القناة إلى بورسعيد .. وكان من الصعب عليهم أن يفهموا طبيعة الدماء الأبية والكرامة والوطنية التى تجرى فى عروق أبناء المدينة التى اشترك كل من فيها فى المقاومة حتى جدران المدينة حولها أبناء بورسعيد إلى منشورات بالعربية والانجليزية لإرهابهم وبث الرعب فى قلوبهم وانهالت الأسلحة المهربة من بحيرة المنزلة تحت طاولات الصيادين الممتلئة بالأسماك .. والى أن أصبح الخروج والهروب من مدينة الجبابرة التى هزت مقاومتها العالم أملا ومطلبا للغزاة تحقق فى23 ديسمبر الذى أصبح عيدا للنصر أرجو ان يجد ما يليق به ويليق بما فعله أبناء بورسعيد من احتفاء وتقدير.



نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: