Close ad

ماما تينا.. وأخطر رجل في العالم

18-11-2020 | 15:15

في أيرلندا خلال فترة الخمسينيات، عاشت كريستينا نوبل طفولة قاسية بين أكواخ دبلن مع أب مُدمن كحول وأم مريضة وستة أخوات مُشردين يبحثون عن الطعام بين أكوام القمامة، إلى أن توفت أمها وقررت المحكمة إيداعها في مؤسسة لرعاية الأيتام والمشردين، فيما ذهب أشقاؤها إلى مؤسسة أخرى، بعد أن تخلى الأب عن رعايتهم.


لم تكن حياة كريستينا نوبل أفضل حظًا في مؤسسة الرعاية، فقد عاشت حياة قاسية، وكأنها تقضي فترة عقوبة على جريمة لم ترتكبها، إلى أن أصبحت في الثامنة عشرة من عمرها، وخرجت من الدار، لتعود إلى مدينتها دبلن باحثة عن والدها في الحانات لتكتشف أن سنوات الغياب لم تُغيره، ولم تنجح في العثور على أخواتها، وبعد أن تخلى عنها والدها قررت العمل في أحد المصانع، ومن ثم أصبحت شوارع دبلن بيتها؛ لأنها لم تكن تملك المال الكافي لاستئجار أربعة جدران تحميها من برد دبلن، أو من الاغتصاب الذي تعرضت له نتيجة حياة الشارع التي جعلت جسدها مُباحًا للسكارى، ولم تقف مآسيها عند هذا الحد؛ بل أصبحت حياتها أكثر تعقيدًا بعد أن فقدت عملها، نتيجة لمرضها الشديد الناتج عن حياة التشرد بلا مأوى.

بعد سنوات أخرى من المعاناة خلال عملها نادلة في أماكن مختلفة، تلتقي كريستينا شابًا بريطانيًا، ما جعلها تعتقد أن الحياة قد ابتسمت لها أخيرًا، خصوصًا أنه عرض عليها الزواج، ومن ثم انتقلت للعيش معه في مدينة بيرمنجهام في بريطانيا، وبعد أشهر قليلة تكتشف خيانته، ومعاملته السيئة لها، والتي لم تخلُ من الضرب والإهانة، وبعد أن أنجبت منه ثلاثة أطفال لم يكن لديها بديل غير أن تُكمل حياتها معه، إلى أن قرأت عن الأطفال المشردين في فيتنام جراء الحرب، وشاهدت صورهم التي أعادت لها آلام طفولتها، فتُقررأن تُسافر إلى فيتنام.

عندما قررت السفر إلى فيتنام لم تكن كريستينا نوبل تملك غير قلب نابض بالعطاء، وطفولة تعيسة أرادت ألا يعيشها ثانية أي طفل في العالم، وظلت تبحث عن الأطفال المشردين في شوارع فيتنام، واستأجرت شقة صغيرة، أصبحت فيما بعد دار رعاية كبيرة للأطفال المشردين، لتصبح الآن منظمة عالمية تحمل اسم كريستينا نوبل لرعاية الأطفال.

بينما وُلد فرانك لوكاس في ولاية كارولينا الشمالية عام 1930، ثم انتقل للعيش في نيويورك، ليلتقي بأحد أهم رجال العصابات، وتبدأ حياته في عالم الجريمة، وبعد أن توفي الرجل الذي كان يعمل معه، يصبح فرانك الوريث الوحيد لتاريخه وجرائمه، وتبدأ حياته الحقيقية في عالم الجريمة والمخدرات، ويتحول إلى إمبراطور تجارة الهيروين في أمريكا.

قررفرانك لوكاس استغلال وجود الجيش الأمريكي في فيتنام، ونجح في تهريب المخدرات إلى أمريكا عبر توابيت الجنود الأمريكان الذين قُتلوا في فيتنام، بعد أن نجح في استقطاب عدد كبير من ضباط الجيش، ويُقال إنه كان ينقل أحيانًا ألف كيلو هيروين في الطائرة الواحدة.

وفي عام 1976 وقع فرانك لوكاس وعائلته كاملة في قبضة الشرطة، وحُكم عليه بالسجن لمدة 70 سنة، لكن تم تخفيفها إلى 10 سنوات مقابل تعاونه معهم في القبض على تُجار آخرين، والعناصر الفاسدة ممن تعاونوا معه في الجيش الأمريكي والشرطة، وتوفي عام 2019، تاركًا خلفه مئات الآلاف من الضحايا.

ولا تزال كريستينا نوبل أو ماما تينا كما يلقبها الأطفال تعمل في مؤسستها، وهي تبلغ الآن 75 عامًا، ونجحت في تغيير حياة أكثر من 900000 طفل حول العالم.

عاشت ماما تينا حياة أكثر قسوة من فرانك، وكلاهما قرأ عن حرب فيتنام ربما في الصحيفة نفسها، هي تأثرت بآلاف الأطفال الذين شردتهم الحرب، فيما قرر فرانك أن يستخدم نعوش الجنود الأمريكيين الذين قٌتلوا في فيتنام لتهريب الهيروين.

كريستينا أنقذت حياة مئات الآلاف من الأطفال من التشرد، فيما قضى لوكاس على حياة ملايين الشباب والأسر، هو أصبح أشهر وأخطر رجل عصابات في أمريكا والعالم، فيما أصبحت هي أعظم أم في العالم، قد تشترك البدايات؛ لكن ليس حتمًا أن تتلاقى النهايات، ربما لا نملك أحيانًا حرية اختيار بداياتنا، لكن دائمًا نحن مَنْ يختار النهاية.

كلمة أخيرة:

مَنْ يملكون ثروات العالم، لا يختلفون كثيرًا عن فرانك لوكاس إن لم تكن ثرواتهم سببًا في تغيير حياة البشر، مثلما فعلت ماما تينا التي لم تكن تملك غير قلب ينبض بالعطاء.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: