Close ad
12-10-2020 | 15:28

شغلت الأحداث اليومية البشر دائما.. لقمة العيش والأولاد والعلاقة بالآخرين، أفرادا وجماعات وسلطة. إلى جانب ذلك، كانت هناك أفكار كبرى، اعتقد معها الإنسان أن حياته ذات قيمة وليست مجرد أكل وشرب وتكاثر فى الأولاد والثروات. كان هناك أيضا شخصيات عظيمة، فلاسفة وعلماء ومفكرون، قادرة على إنتاج ابتكارات وأفكار أعظم. الآن يكاد يخلو العالم من الأفكار والشخصيات الكبرى.

كم لانهائى من الأحداث والتصريحات والمعلومات تكاد تذهب بالعقول. الغث منها كثير، ومع ذلك نعيش ونتعامل معها باعتبارها حقائق راسخة ندافع عنها دون مناقشتها أو التساؤل بشأنها. إنه التعصب الذى يهدد العالم، كما قال الفيلسوف البريطانى برتراند راسل (1872- 1970)، والذى كرهه لدرجة أنه وصف نفسه بالمتعصب ضد التعصب.

راسل، عندما سئل فى عيد ميلاده التسعين عما علمته الحياة، اقتبس مصطلحا للعالم الأمريكى كارل ساجان، وهو فن اكتشاف الهراء، أى القدرة على التمييز بين الزيف والحقيقة. يقول راسل: عندما تدرس موضوعا أو تفكر فيه، اسأل نفسك: ما هى الحقائق، وما هى الحقيقة التى تثبت الحقائق؟. لا تدع نفسك تنحرف عنك، إما بسبب أنها ترغب بتصديق شيء ما، أو تعتقد أن لها آثارا اجتماعية مفيدة.

الهراء موجود على مدى التاريخ، لكنه لم يعد بسيطا ولا نتاج أشخاص بل دول ومنظمات. أصبح صناعة تستقطب أفضل العقول وتدر المليارات وتغير مصائر شعوب. أنصاره، حتى لو لم يكونوا هم مخترعيه، ملايين الملايين. وفى المقابل، تنزوى الحقائق، ويتم إجبارها على التنافس مع الهراء الرابح دائما.

لماذا انتصر الهراء؟. يعتقد راسل أن انحسار مساحة التسامح سبب رئيسى.. الحب حكمة والبغض غباء، علينا معرفة كيف نتسامح، وأن نتحمل حقيقة أن البعض يقولون أشياء لا نحبها. التسامح الوسيلة الوحيدة كى نعيش معا.

الهراء ينتصر أيضا لأنه مربح ومفيد، خاصة للسياسيين، ولأنه يدغدغ مشاعر جماهير غفيرة تؤلمها الحقيقة. غالبيتنا غير مستعد لمواجهة واقع مرير يسحق طموحاتنا بمآسيه، لذلك نسبح فى الخيال، ولا نعطى لأنفسنا فسحة للتمييز واكتشاف كم أن حياتنا مليئة بهراء لا نهاية له.


نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
بين السياسي والبيروقراطي!

السياسى يستشرف ردود الفعل، يتفاوض ويجس النبض ويساوم ويعدل ثم يخرج بالقرار للعلن. ربما يكون أقل من طموحه لكنه يضع نصب عينيه أن السياسة فن الممكن لا المستحيل.

رسائل الهجوم الأمريكي!

عندما أمر ترامب فى أبريل 2018 بشن هجمات عسكرية على سوريا بعد اتهام النظام السورى باستخدام أسلحة كيماوية فى «دوما»، سارع بايدن ونائبته الحالية كامالا هاريس

أريد عناقا!

في العالم الذي رسمه الروائي البريطاني جورج أورويل بروايته الأشهر «1984»، ينسحق الفرد أمام حكومة خيالية تتحكم في كل حركاته وهمساته. تحسب عليه أنفاسه وأحلامه.

أولياء الأمور والسوبر ماركت!

حتى نهاية الثمانينيات، ظلت الحياة هادئة، إن لم تكن رتيبة، فيما يتعلق بالعملية التعليمية. تدخل الوزارة نادر، والتغييرات طفيفة. اهتمام أولياء الأمور كان

نيتانياهو وعالم اللا معقول!

تابعت الضجة التى أثيرت حول ما ذكره الفنان المصرى الكبير محمد منير فى مكالمته الهاتفية مع لميس الحديدى فى برنامجها المتميز، كلمة أخيرة، حول ماعرض عليه من

زورونا كل سنة مرة!

لست وحدك. تنتخب من يمثلك بالبرلمان أو جهة العمل أو بنقابتك، فإذا به بعد النجاح يقوم بعملية فرار طويلة ولا يعاود الظهور إلا مع استحقاق انتخابي جديد. تبحث

كيف تدمر حزبًا؟!

لأسباب عديدة، تسكن الانقسامات أحزاب اليسار أكثر من اليمين. الانضباط الحزبي حديدي داخل اليمين، بينما التماسك والالتزام ضعيفان لدى اليسار الذي تشله الخلافات

فلاسفة التوك شو!

ليست هذه هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، التي يمتشق فيها مذيع سيفًا خشبيًا يوجه به طعنات من الإهانات والسخرية والإساءات لفئة من الشعب، هو نفسه فعلها

تركة على حميدة؟!

كيف سيتذكر الجيل الجديد مبدعينا وفنانينا والمشاهير الذين يختارهم الله إلى جواره؟. وماذا سيبقى منهم؟ للأسف، ليست هناك إمكانية أو قدرة من جانب كتابنا وباحثينا

فى مدح الإعلام العام!

أحد أسباب توقف الحروب وسيادة السلم في فترات زمنية معينة أن البشر لم يكونوا يتقاسمون المنافع والخيرات فقط؛ بل الحقائق المشتركة أيضًا. الآن، لم تعد هناك

كلمني شكرًا!

«بيبى.. أنا لا أوافق على أى شىء تقوله، لكنى أحبك». هكذا كتب بايدن ذات مرة عن علاقته مع نيتانياهو. مر نحو شهر على توليه الرئاسة ولم يرفع سماعة التليفون

احذف واعتذر!

هاتان الكلمتان رسالة وجهتها صحيفة الجارديان إلى كاتب عمود بعد نشره تغريدة سخر فيها من السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، واعتبرتها الصحيفة كاذبة بل معادية للسامية، لينتهي الأمر بوقف التعامل معه.