لم يكن يوما عاديا، ولذلك فقد حفره التاريخ كيوم لا يمحى من ذاكرة الإسرائيليين مهما حاولوا التقليل من شأن انتصار الجيش المصرى فى السادس من أكتوبر، فالإسرائيليون لا يزالون يبكون على مفاجأة هذا اليوم العصيب الذى أيقظهم من سبات عميق، إذ ظنوا أنهم لن يواجهوا مرة أخرى الجيش المصرى الذى مني بهزيمة يونيو 1967، ولكن ما هى سوى سنوات معدودة حتى عاد لهم هذا الجيش ليظهر لهم معدنه الأصيل، فالنصر دوما حليفه، وإن مني بنكسة فهى مؤقتة لا تطول، فى حين لو منى بها أحد الجيوش الألمانية أو الفرنسية أو البريطانية لما استفاق بعدها ولو بعد حين.
كل المصريين فرحوا بنصر أكتوبر، ولكن بعضهم رأى آثار هذا النصر على وجوه الإسرائيليين، لا أتحدث عن جنودنا وقادتنا وقت الحرب، ولكن عن أولئك الذين قضوا هذا اليوم فى إسرائيل بعد سنوات الحرب، وكنت واحدا من هؤلاء عندما توليت مكتب الأهرام بفلسطين. فالسادس من أكتوبر لدى الإسرائيليين، يوم كئيب، يتمنوا لو يمحى من التاريخ، أو أنه كان أمرا منسيا..
المثير للدهشة أن الإسرائيليين يحاولون مع اقتراب ذكرى هزيمتهم كل عام الكشف عن حكاية وهمية جديدة، وآخرها قصة الجاسوس جوليات، هذا المصرى الذى أمدهم بمعلومات وصفوها بأنها كنز ذهبى ساعدت الجيش الإسرائيلى فى تغيير موازين القتال. ولو كان الأمر كما يحكون ويكشفون فى الصحف العبرية، لكان السادس من أكتوبر نفسه يوما عاديا مر مرور الكرام دون عبور القوات المصرية وبدء ملحمة الانتصار العظيم.
فالنصر المصرى بدأ بالمفاجأة الإستراتيجية، ولو كانت رواياتهم عن جوليات فلماذا تمت عملية العبور؟ ولماذا لم يستعدوا لها بإعلان التعبئة العامة للاحتياط؟..ولماذا أخبر وزير دفاعهم موشيه ديان رئيسة الوزراء جولدا مائير بعد زيارته للجبهة أن الأمور أكثر من عادية على الجبهة المصرية، فالجنود فى حالة استرخاء؟..ألم يكن هذا نصرا إستراتيجيا ومعنويا.
قد لعب الرئيس الراحل أنور السادات بالإسرائيليين حربا وسلما، فطالما أعلن أنه غير قادر على الدخول فى حرب حتى لا يفقد جيشه، ولكنه فعلها وانتصر.. ثم فاجأهم بعرض السلام وحصل على أرضه ولو بعد حين.
تحية للسادات صاحب قرار الحرب والسلام الذى انتصر فى يوم غفرانهم ليتوبوا عن مرض الغرور.
* نقلًا عن صحيفة الأهرام