Close ad
25-9-2020 | 02:22

رحم الله المخرج علي رجب، ولا غفر لمن قتلوه بالقهر والإفقار في حروب الرزق، ومثله كثيرون يمنعهم الحياء من البوح بحاجتهم للعمل وهم في كامل لياقتهم المهنية، وخاصة من المبدعين الذين يعتمدون في معيشتهم على إنتاجهم وتسويقه، ولم يعد غريبًا أن يخرج يوميًا واحد من هؤلاء يستغيث طلبًا للعمل بعد أن ضاقت مصادر الإنتاج واقتصرت على جهات غير مؤهلة، وباتت تتحكم فيمن يعمل ومن يجلس في بيته.

وأصبحت ظاهرة في كل قطاعات الإبداع، خاصة في ظل وجود شلل ودوائر مغلقة تعتقد أن توزيع الأرزاق بأيديها، وأصبح من السهل في لحظة أن نخسف بإنسان الأرض، وأن نرفع آخر إلى عنان السماء، وهو ما حدث بالضبط مع فنان بحجم إسماعيل يس الذي مات فقيرًا برغم إنتاجه الغزير، أو مع المبدع سابق عصره محمد فوزي، الذي كان يذهب ليقبض مرتبًا شهريًا من شركته التي أسسها، وغيرهما عشرات القصص المؤسفة للنهايات الحزينة لمبدعين كبار غضبت منهم السلطة فقررت إحالتهم للتقاعد.

وفي معظم شركات القطاع الخاص لا مكان للنقابات العمالية ومن يطالب بحقوق الآخرين يصبح من المغضوب عليهم، فإن كان في وظيفة حكومية يصبح من الضالين، وهؤلاء الذين يعتقدون أن رزق البشر بأيديهم يتألهون علي الله، وربما يمرقون لعدم إيمانهم أن الله وحده هو الرزاق، وأن لكل شخص رزقه، ولن يسلبه رزقه أحدٌ مهما بدا له غير ذلك، لأن الله تكفّل به كما خلقه، وقد قال الله في كتابه العزيز: (وفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونْ) [كما لن يخرج من الدنيا أي شخص إلا بعد أن يستوفي رزقه فالأرزاق لا يقطعها غير الله، عزَّ وجلَّ، وما دام الإنسان حيّا، فرزقه مضمون: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا).

وفي الحديث: «لَا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَبْدٌ يَمُوتُ حَتَّى يَبْلُغَهُ آخِرُ الرِّزْقِ»، لا بل: «إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجْلُهُ»!

فلا بدَّ أن نعتقد اعتقادًا راسخًا أن اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ، القائل: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ)، فالمسلم، يعلم أنه لا مانع لما أعطى الله، ولا مُعطي لما مَنَع، لا بل، نعلم جميعًا أن الناس لا يَملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة.. فإذا كانوا كذلك، فكيف يملكونه لغيرهم؟! وفي الحديث: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ».

وكما قال الشافعي: من ظن أن الرزق يأتي بقوةٍ ما أكل العصفور شيئا مع النسرِ، وهناك من جمع الحلال على الحرام ليكثره فدخل الحرام على الحلال فبعثره.. فلا تطلب الرزق في الدنيا بمنقصةٍ.. فالرزقُ بالذلّ خيرٌ منه حرمان.

وكما قيل في الأثر: إن كل تدين يجافي العلم ويخاصم الفكر ويرفض عقد صلح شريف مع الحياة هو تدين فقد صلاحيته للبقاء. 

وقال عمر بن الخطاب: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني، فقد علموا أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.

وهكذا.. التدين الحقيقي ليس جسدًا مهزولًا من طول الجوع والسهر، ولكنه جسد مفعم بالقوة التي تسعفه على أداء الواجبات الثقال، مفعم بالأشواق إلى الحلال الطيب، لأن الله يعطي الذاكرين أكثر ممّا يعطي السائلين.

قال المولى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًايُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًاوَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) والإكثار من ذكر النِّعم واتباعها بالشكر، يقول الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

ويقول العارفون: ‏ظن أنه منع عنك رزقًا ولم يدرك أن الله سخره ليمنع عنك شرًا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر الغريبة بأسمائها

الزائر لمصر لأول مرة لن يصدق أنه في بلد عربي لغته العربية فمعظم الأسماء للمحال والشوارع والمنتجعات، بل الأشخاص ليس لها علاقة باللغة العربية وباتت القاهرة

مصر تخطت الفترة الانتقالية

جاء حين على مصر كانت شبه دولة عندما تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية، عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت فى ظل غياب وانهيار لمؤسسات

ثوار ما بعد الثورة

لابد من الاعتراف بأن كل ما في مصر الآن نتيجة مباشرة لأحداث ٢٥ يناير بحلوه ومره، فأي إصلاح هو ثمرة مباشرة لشجاعة ووعي ودماء شرفاء سالت لتحقق حلم الأمة في