القاعدة تقول: إذا لم يكن الناس قادرين على فهم ما يمكنهم وما لايمكنهم فعله، فمن المرجح ألا يطيعوا القوانين المفروض عليهم الالتزام بها. لكن بفضل كورونا، نحن أقل قدرة من أى وقت مضى على التساؤل والتشكيك فى تلك القوانين. هكذا تأسفت الكاتبة البريطانية جيميما كيلى على أوضاع بريطانيا.
أكثر القوانين تطفلا يجرى تمريرها. يتم تشجيع المواطنين على التلصص على بعضهم، والإبلاغ عمن ينتهك الإجراءات الاحترازية لمواجهة الوباء. أصبح التقاء 6 أشخاص بمكان مغلق أو مفتوح، جريمة. القوانين تدخل حيز التنفيذ لحظة إصدارها دون معرفة الناس. فى الغالب يستغرق صدور القانون عاما وأكثر، الآن ساعات قليلة فقط.
هل يذكرك هذا بشىء؟ نعم أنت محق.. لقد عاد الأخ الأكبر، الذى أبدع جورج أورويل فى تصويره من خلال روايته الخالدة «1984»، حيث الرقابة الحكومية لا تهدأ والتلاعب بالجماهير وملاحقة الفرد تتواصل. عاد ليس بالشكل السياسى الأيديولوجى، الذى تخيله، بل فى ثوب مصلحة الفرد وحرص الدولة على مساعدته لمواجهة الوباء. الشرطة تقبض على من ينتهك الإجراءات ويخرج من بيته دون سبب مقنع. الكاميرات تملأ الشوارع وتسجل على الإنسان أنفاسه وخلجاته.
ليس هذا فقط، ففى عالم لم تصل إليه مخيلة أورويل، ترصد مواقع التواصل الاجتماعى كل رد فعل وتعليق وحركة شراء نقوم بها على الإنترنت لتغذى بها منظومة شركات ومراكز أبحاث تحلل وتفسر المعلومات وتستخدمها لأغراض سياسية وتجارية وتجسسية دون علمنا. الهلع الحقيقى الذى تثيره الرواية النبوءة، كما تقول جين سيتون أستاذة الإعلام البريطانية، هو المحق التام للذات وهدم أى قدرة على إدراك العالم الفعلى، إذا لا مكان للرأى والرأى الآخر ولا لنسبية الأفكار. هناك حقيقة واحدة علينا تصديقها، لنفقد بالنهاية إمكانية تمييز الصواب من الخطأ، ونصبح مجرد أرقام بعداد سكان الدولة.
خطر كورونا ليس صحيا واجتماعيا واقتصاديا فقط، بل الأخطر سياسيا، فقد أعطت السياسيين ذرائع لفرض إجراءات وقوانين لا تأخذ حقها من الرقابة التشريعية والشعبية، لتخرج فى النهاية تعسفية وسخيفة. مصائب الناس بسبب كورونا، فوائد عند السياسيين.
نقلا عن صحيفة الأهرام